الموضوع: الكلمات التي يقع بها الطلاق: (الطلاق، والسراح، والفراق)/ محمد مكركب
قالت السائلة: غضب علي زوجي وقال لي: ابتعدي عني لا أريد أن أراك، فاعتبرتها طلاقا وبعد خروجه للعمل، أخبرت أمه بما قال وأخذت حقيبتي وسافرت إلى أهلي وبدأت أعد أيام العدة، وأنتظر متى يأتيني الاستدعاء لجلسة القضاء للطلاق. وبعد أسبوع جاء ليقول: أنا ما طلقتك، إنما قلت ذلك لغضب وما أردت الطلاق، فهل ما صدر منه يعد طلاقا أم لا؟ وهل هذه تحسب علينا طلقة أم لا؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: ما معنى الطلاق؟ هو حل العصمة المنعقدة بين الزوجين، بلفظ الطلاق أو التسريح أو الفراق المعلن بالصيغة المعبرة عن إرادة رفع قيد النكاح، أمام الشهود، بأن يعلم الزوجان ومحيطهما على حل الرابطة الزوجية بين هذا الزوج وزوجه. قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾(الطلاق:1) فإذا وقع خلاف بين الزوجين وبعد المثول بين يدي القاضي ومجلس الصلح، أو بعد حضور الحكمين، وعندما يتأكد للزوج أن الحل عنده هو حَلُّ العصمة بينه وبين زوجته. فيقول لها أمام الشهود،[أنت يا فلانة طالق] أو يقول لمن يخبرها رسميا أمام الشهود، يقول:[فلانة طالق] أو يقول:[أنت مسرحة]، فالتسريح من ألفاظ الطلاق الصريح، لقوله تعالى:﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ﴾ أويقول:[هذا فراق بيني وبينك]. لقولها تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ﴾ (النساء:130) أما قول زوج السائلة:(ابتعدي عني لا أريد أن أراك) عبارة ليست من ألفاظ الطلاق، ومن التحقيقات الشرعية في المسألة وجوب وضوح القرائن في الخطاب، ولا يعتد بالألفاظ المبهمة. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: مثلما يجب اعتبار الحكم الشرعي الواضح في الخطبة والزواج، والتزام الأدب في الخطبة والزواج، كذلك يجب اعتبار الحكم الشرعي الواضح في الطلاق، وكذلك الأدب في الطلاق. قال الله تعالى:﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ (الأحزاب:28) والسراح الجميل، هو:[الطلاق من غير ضرر ولا عنف ولا مخاصمة ولا مشاجرة]. وهو أيضا التسريح بإحسان. قال الله تعالى:﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ﴾ والتسريح بإحسان هو اتباع السنة في الطلاق.فمن معنى قوله تعالى:﴿ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ﴾ هِيَ الطَّلْقَة الثَّالِثَةُ بعد الطلقتين المرتبتين بمرتين كاملتين، فإن مَنْ طلق امرأته الطلقة الأولى فله مراجعتها قبل تمام العدة، بدون عقد جديد، أَوْ طلقها الطلقة الثانية، فله مراجعتها قبل تمام العدة بغير عقد، أما إن طَلَّقَهَا الطلقة الثالثة لم تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكحَ زَوْجا غَيْرَه، عملا بقوله تعالى:﴿فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾(البقرة:230) وليس من السنة الحلف بالطلاق، ولا التلفظ بالطلاق بالثلاث، ومما يخالف السنة الطلاق في الحيض والنفاس. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: ليس من آداب العشرة الزوجية أن الزوج إذا غضب أو اشتد الحوار بينه وبين زوجه أن يطردها من البيت، ولا من الأدب أيضا أن تترك هي أيضا البيت وتذهب إلى بيت أهلها، إنما من الأدب حتى وإن طلقها طلاقا شرعيا سنيا صريحا، فلا يخرجها من البيت، ولا تخرج حتى تكتمل أيام العدة. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً﴾(سورة الطلاق:1). ومن آداب طلاق السنة، أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه، وأن يطلقها باللفظ الصريح، وأن يشهد على ذلك، وأن يسرحها سراحا جميلا. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: قالت السائلة: فهل ما صدر منه يُعَدُّ طلاقا أم لا؟ وهل هذه تحسب علينا طلقة أم لا؟ مما سبق من الشرح والبيان أن ما تلفظ به زوجك لا يعد طلاقا، خاصة وقد أكد نيته أنه ما طلق، ولا تحسب عليكم طلقة. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.