مؤشرات على جدية الانتخابات
عبد الحميد عبدوس
على عكس الانتخابات الرئاسية الملغاة في 4 جويليه الماضي، دخلت الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 12 ديسمبر المقبل (2019) بقوة في صلب الاهتمام الوطني بين مؤيد ومعارض، فمن ناحية المؤيدين تقدم عدد كبير من الشخصيات السياسية من رؤساء أحزاب، ومستقلين، وبرلمانيين، ومن شخصيات أكاديمية ونقابية من مواطنين ومواطنات من مختلف الحساسيات، لسحب أوراق الترشح من مقر السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، ومن جانب المعارضين مازالت جموع السائرين في تظاهرات الحراك المتلاحقة التي بلغت خلال هذا الاسبوع (27سبتمبر2019) الجمعة الثانية والثلاثين ترفع شعارات رافضة لإجراء الانتخابات، ومازالت السلطة في الجزائر تقدر أنه من حق المواطنين المشاركين في المسيرات التعبير عن آرائهم ومطالبهم في إطار السلمية، ولكنها وجهت تحذيرا شديد اللهجة على لسان الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني الذي أكد أن “القيادة العليا للجيش، ستتخذ في القريب العاجل، كافة الإجراءات اللازمة التي تمكن المواطنين من ممارسة حقهم الانتخابي…ومن يقف حاجزا أمام هذا الحل الدستوري والمطلب الشعبي ويعمل على عرقلة هذا المسعى الوطني الحيوي بأي شكل من الأشكال، سيلقى جزاءه العادل والصارم بل الرادع طبقا للقانون”.
هذا التحذير الصارم جاء بعد إعلان بعض رؤساء البلديات في ولايتي بجاية وتيزي وزو رفض التنسيق مع السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في مراجعة القوائم الانتخابية بين 22 سبتمبر إلى 6 أكتوبر 2019، والمشاركة في الانتخابات، بل وصل الأمر برئيس بلدية بوزقن التابعة لولاية تيزي وزو حسب جريدة “ليبرتي عربي” إلى تهديد موظفي البلدية بتعريضهم للعقاب إذا خالفوا أوامره الرافضة لمراجعة القوائم الانتخابية وتنظيم الانتخابات الرئاسية.
وإذا كان من حق المواطن أن يعبر بحرية عن رأيه في عدم الرغبة في المشاركة في الانتخابات، أو حتى الدعوة إلى مقاطعتها إذا تم ذلك في إطار السلمية وعدم التعدي على حقوق الآخرين في ممارسة حقهم وواجبهم الانتخابي، فليس من حق رئيس بلدية بصفته ممثلا للدولة أن يتمرد على قرارات الدولة، وأن يدعو إلى معارضتها مع بقائه في منصبه، وأحرى من ذلك أن يهدد بمعاقبة من يلتزم باحترام توجيهات سلطات الدولة.
كل المؤشرات المتوفرة حاليا تدل على أن الانتخابات الرئاسية ستجري ـ بإذن الله ـ في موعدها، وستكون مخرجا دستوريا آمنا لتجاوز الأزمة ومواصلة مسار التنمية الوطنية.
ومن المؤشرات الدالة على ذلك، أنه قبل حوالي شهرين ونصف من الموعد الرئاسي، وأكثر من شهر على غلق باب استقبال الترشيحات، بدأت المنافسة الانتخابية تشتد بين مرشحين من أبرز الشخصيات، على غرار ما حدث منذ أيام بين السيد علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق، والسيد عبد المجيد تبون الوزير الأول الأسبق، فقد اعتبر رئيس حزب طلائع الحريات، خلال تنشيطه لندوة صحفية عقب افتتاح أشغال اللجنة المركزية للحزب يوم الخميس الماضي، ترشح عبد المجيد تبون، للانتخابات الرئاسية المقبلة بمثابة “عهدة خامسة باسم جديد وتشويه للرئاسيات”.
وبعد ساعات من هذا التصريح رد تبون عقب سحبه لاستمارات الترشح، قائلا:” سي علي حر يقول ما يشاء، أنا تربطني به علاقة منذ 1977 يوم كنت أمين عام بولاية باتنة وهو محام”. معتبرا أن الوقت ليس وقت صناعة الجدل ورفض الآخر.
حدث هذا بعد حوالي أسبوع فقط من فتح باب سحب أوراق الترشح للرئاسيات، ولنتصور درجة الحرارة ومستوى الجدل الانتخابي الذي سيطبع المنافسة الرئاسية بعد دخول بقية المترشحين من ذوي الأوزان السياسية الثقيلة الذين ترشح بعض وسائل الإعلام دخولهم المنافسة الانتخابية في قابل الأيام، فمن غير المستبعد أن يصل مستوى المنافسة الانتخابية في رئاسيات 2019 إلى مستوى ثراء وحرارة الجدل الذي عرفته الجزائر في رئاسيات 1999، قبل أن ينسحب منها الفرسان الخمسة (حسين آيت أحمد ـ رحمه الله ـ الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، رئيس الحكومة الأسبق مقداد سيفي، العقيد حسان الخطيب قائد الولاية التاريخية الرابعة) بعد تأكد هؤلاء المرشحين الخمسة من نية تزوير الانتخابات لصالح مرشح السلطة الفعلية عبد العزيز بوتفليقة، الذي سمي آنذاك مرشح الإجماع.
الملاحظ أن بعض المتابعين للشأن السياسي ونشطاء الحراك يعتبرون أن كلا من علي بن فليس وعبد المجيد تبون ينتميان إلى نظام بوتفليقة السابق. والواقع يقول إنه إذا كان عبد المجيد تبون قد تقلد كل مناصبه السياسية في الحكومات التي شكلها نظام بوتفليقة وشغل أول منصب وزاري له (وزير السكن) في حكومة علي بن فليس ثم تقلب بعد ذلك في مناصب وزارية إلى أن أصبح وزيرا أول خلال ثلاث عهدات للرئيس بوتفليقة، ولم يغادر حكومة بوتفليقة إلا بعد أن أقاله الرئيس المخلوع من منصبه في أوت 2017، بعد أن وجه سهام نقده تجاه الملياردير، ورأس الاوليغارشية المالية في الجزائر علي حداد ( الموجود حاليا في سجن الحراش)، وهو الصديق المقرب لشقيق ومستشار الرئيس المخلوع السعيد بوتفليقة ( المحكوم عليه بالسجن النافذ) كان عبد المجيد تبون قد توعد بوضع حد لتدخل أرباب المال والأعمال في تسيير الشؤون السياسية للبلاد، والقيام بكل صرامة بحملة “الأيادي النظيفة” تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
هذه الإقالة الظالمة هي التي جلبت رصيدا من التعاطف الشعبي مع عبد المجيد تبون وجعلته يحسب في صف ضحايا تعسف حكم بوتفليقة وزمرته الفاسدة. ويعد هذا الترشح هو التجربة الأولى لعبد المجيد تبون في السباق الرئاسي.
أما علي بن فليس، فقد كان مسؤولا سياسيا في منصب وزير العدل قبل وصول بوتفليقة إلى الحكم، وإذا كان قد تولى منصب رئيس الحكومة في العهدة الرئاسية الأولى للرئيس بوتفليقة، فقد أصبح من أكبر معارضي نظامه خلال بقية عهداته الرئاسية (أي على مدى 15 سنة كاملة) وترشح ضد بوتفليقة في رئاسيات 2004 ثم في الانتخابات الرئاسية في 2014، وكان واثقا في الموعدين الرئاسيين من قدرة برنامجه الانتخابي على إقناع أكبر شريحة من الجزائريين لإحداث التغيير وتحقيق التداول على السلطة، ولكنه تعرض إلى تزوير شامل وفاضح ومقصود خلال المنافستين الانتخابيتين.
ولعل السيد علي بن فليس يكون في تجربته الثالثة مع الانتخابات الرئاسية التي ستجرى 12 ديسمبر القادم مطمئنا على توفر شروط النزاهة والشفافية وحياد الإدارة بعد الإطاحة بعصابة الفساد وزمرة التزوير والتدوير التي أسقطتها انتفاضة 22 فيفري 2019 ، ويكون أخيرا حكم الصندوق هو الفيصل بين الفرسان المترشحين؟