أمريكا في مواجهة إيران
أخيرًا.. بلغ التحدي مداه بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية التي تضخمت لدى رئيسها عقدة الجبروت والغطرسة حتى أصبح لا يفرق بين حلفائه وأعدائه، بين الاتحاد الروسي الذي وصفه بالعدو اللدود لبلاده ومجموعة بلدان الحلف الأطلسي التي تعاهدت مع وطنه على السراء والضراء منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
لقد كان صراع إرادات أرادته إيران انتصارًا للـه ودينه وأرادته أمريكا انتصارًا للصهيونية العالمية وعبدة الشيطان الذين توسعت قاعدتهم في الشرق الأوسط بانضمام دول الخليج وبعض الدول العربية إلى صفهم للتخلص من القضية الفلسطينية نهائيا مقابل حماية عروشهم وأبراجهم وألقابهم ومتعهم وغرائزهم وملذاتهم.
في البداية ظن “ترامب” وهو يبتز السعودية ماليا أنه يحقق بذلك مداخيل ضخمة لخزينة بلاده باستفزاز إيران ووضع دول الخليج في حالة نفير من الحرب القادمة لتسارع إلى شراء كميات من الأسلحة التي لا تعرف حتى مجرد استعمالها، ولكنه أمام صبر وصمود إيران وحلفائها في المنطقة وجد نفسه أمام خطر القضاء على حلمه في الرئاسة لعهدة ثانية وتمكين حزبه وناخبيه من السيطرة المطلقة على برلمان بلاده بغرفتيه؛ فالإقدام على الحرب ومواجهة إيران يعني التضحية بكثير من الجنود الأمريكيين أولا ثم زوال دولة الكيان الصهيوني ثانيا من على خارطة الشرق الأوسط ثانيا وانسحاب كل جيوش بلاده وأساطيلها من كل المنطقة مذمومة مدحورة ثالثا، وفي ذلك تهديد له بمحاكمته بتهمة الخيانة العظمى.
لقد قام خلال الشهور الماضية بمجموعة من الاختبارات لمعرفة القوة الحقيقية لإيران فوجد أنها فعلا تقف أمام بلاده الند للند بسلاح يمكنها تدمير جزء هام من قواعدها وأساطيلها إضافة إلى عدم معرفة نهايتها، وسلاح آخر أشد فتكا هو سلاح الإيمان والإرادة لدى الجيش الإيراني وحلفائها من المقاومين.
جرب قوة إسرائيل أمام حزب اللـه والمقاومة الفلسطينية فوجدها تخسر قواعد اشتباك ومواقع كانت إلى زمن قريب محصنة فيها؛ وجرب النظام السعودي ذات يوم حين هدد ولي عهده بنقل المعركة إلى داخل إيران فوجد العكس حين دمرت قاعدتان من أكبر قواعد النفط في العالم داخل أراضي المملكة التي لديها مخزون أسلحة هو الأكبر في المنطقة، كل هذا بعد سلسلة من العقوبات الاقتصادية التي لم يسبق لها مثيل لدولة في العالم، فماذا بقي لــــ “ترامب” بحربه أمام هذه القوة التي يجهل فعلا سرها؟
بقي لأمريكا و”ترمب” أن يجرب حظه في العمل الدبلوماسي مع الوسطاء الذين ما زال بعضهم يحتفظ ببعض الاحترام لدى المسؤولين الإيرانيين كاليابان وفرنسا لعلهما يستطيعان إقناع المرشد العام بقبول الخضوع والاستسلام لإرادته ليظهر لدى شعبه بمظهر المنتصر دون أدنى خسارة بل بالعكس بتحقيق أرباح طائلة يأخذها من المملكة العربية السعودية، لكن الغرور الذي أعماه لا يمكنه من رؤية الحقيقة الساطعة من أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الدولة التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، إلى حدود أكثر من 4000 سنة أو أكثر وبعقيدة دينية كرسها محمد عليه الصلاة والسلام بنبراس القرآن الكريم، النور الذي لا ينطفئ وجهه إلى الأبد وبشعب يؤثر الموت على الحياة حين يرى فيها انتقاصا لحريته وكرامته ودينه.
“ترمب” يحاول أن ينتهز فرصة تواجد الرئيس “حسن روحاني” بنيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة ليلتقي به في سرية تامة ليفاوضه ويحاول إقناعه ولو بالمحافظة على ماء وجهه كرئيس دولة عظمى تنفرد بحكم العالم إلى حد الآن قبل أن تزاح من طرف قوة جديدة هو يعرفها وهي قوة تعتبر حليفة لإيران.
العقوبات الاقتصادية الأخيرة يعرف جيدا أنها لن تزحزح موقفه قيد أنملة ولكنه سيجرب عن طريق الإغراء بالتخفيف التدريجي منها بوسيلة مالية ما مثل تلك المقترحة من طرف الرئيس الفرنسي “ماكرون” خط ائتماني بقيمة 15 مليار دولار سنويا، فقط لتكون بداية لإزالة العقوبات مقابل التفاوض على إيقاف تطوير الأبحاث في الطاقة النووية وإنتاج اليورانيوم المخصب بكميات كبيرة إضافة إلى إيقاف إنتاج الصواريخ البالستية المختلفة ووعد بعدم الاعتداء على دولة الكيان الصهيوني.
هذه هي النوايا التي يبطنها “ترمب” وهو يقبل منح التأشيرة لوزير الخارجية “حسن ظريف” ورئيس الجمهورية “حسن روحاني” دون الشخصيات الأخرى المرافقة والوفد الإعلامي.
يريد لقاء سريا جدًّا لا يعلم به أحد إلاّ بعد الوصول إلى تحقيق نتائج مرضية له.
إنه يظن أن المسؤولين الإيرانيين مثلهم مثل كل المسؤولين في العالم توقعهم الإغراءات والغواية ليشتري ضمائرهم وذممهم مقابل الدولارات، إنه يجهل كل الجهل أن هؤلاء المسؤولين مؤمنون لا يقبلون الفساد مهما كان حجمه، ويخافون الله على شعبهم وأمنهم ودينهم، وهم حين يفاوضون لا يستحضرون معهم الخوف من المرشد أو الأمن العسكري بقدر ما يستحضرون الله في كل صغيرة وكبيرة.
لـــــ “ترمب” أن يعود إلى جادة الصواب ويقبل بالشروط الإيرانية المتمثلة في رفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي قبل أي كلام.