من علماء الجزائر وعظمائها
بقلم: د. عمار طالبي
أشرت في مقالي الأسبوعي الماضي “كلمة الحق” إلى الاحتفال بذكرى شيخ جليل وعلم من أعلام الجزائر وعلمائها، وهو الشيخ بشيشي بلقاسم اللوجاني* ولم أخصصه بكلمة وفي هذه المرة أريد أن أخصص له كلمة تختصر حياته وأعماله.
فقد ولد الشيخ بلقاسم اللوجاني الملقب بشيشي ببلدية سدرانة سنة 1881 وأبوه الشريف سي بلقاسم، ووالدته السيدة الصغيرة جابري، وينتسب إلى قبيلة لوجانة من جبال أوراس الشامخة، التحق بالكتاب لحفظ القرآن الكريم، وكان والده من حفاظه، حفظ على يد الشيخ أحمد بن عيسى ثمّ أتمَّ حفظه في زاوية البناقرية، وحفظ عدداً من المتون الفقهية والنحوية على يد الشيخ الطيب لبناقرية، ثم اتجه الى زاوية نفطة بتونس سنة 1896م.
ومكث فيها دارسا لمختلف العلوم الشرعية واللغوية وفي سنة 1900 انتقل الى الجامع الأعظم ،جامع الزيتونة، فدرس على الشيخ محمد النخلي القيرواني المصلح وعلى الشيخ سالم بوحاجب والشيخ محمد الطاهر بن عاشور، والشيخ محمد العزيز جعيط وهم من كبار علماء الزيتونة وأساطينها. وفي عام 1905 شدَّ الرِّحال إلى جامع الأزهر الشريف، فدرس على كبار علمائه، منهم الشيخ إبراهيم حسن المرصفي والشيخ حسونة الزواوي وعلى أبي الفضل الجيزاوي شيخ علماء الاسكندرية الذي أجاز الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس سنة 1913 عندما رجع من الحج.
وحصل على أعلى شهادة من الأزهر الشريف وهي العَالمِيّة، ثمَّ عاد إلى قسنطينة سنة 1911؛ فأصبح الإمامَ والمدرسَ والمفتي، فقسم منزله إلى قسمين أحدهما لسكناه والآخر جعله قاعة للتعليم والصلاة، وأخذ يدرّس الفقه والتوحيد والحديث، وكوّن جمعية دينية لبناء المسجد الذي يُعرف اليوم بالمسجد العتيق، وبه حجرات تتكون منها مدرسة سماها مدرسة الحياة، في العهد نفسه الذي تأسست فيه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين 5 ماي 1931 وانتخب عضواً عاملاً للجمعية برئاسة الشيخ الجليل عبد الحميد ابن باديس، وممّن درس في هذه المدرسة الأستاذ معالي الوزير لمين بشيشي الذي تخرج منها سنة 1941،والتحق بجامع الزيتونة وتخرج منه بشهادتي الأهلية والتحصيل. وأخذ مكانته في التدريس إلى أن التحق بالثورة عام 1956.
عُرض على الشيخ بلقاسم اللوجاني منصب القضاء والإمامة تابعاً للسلطة الفرنسية، فرفض ذلك كلّه رفضاً تاماً، ليبقى مستقلاً أخلاقياً ولا يخضع للسلطة الفرنسية بوظيفة تكبله وكان زاهدا مجاهدا في سبيل الدعوة إلى الإسلام وعلوم الشريعة وأصولها والتاريخ.
ولما انتقل إلى -رحمه الله – في 7 سبتمبر l1957م حزن سكان مدينته سدراته وما جاورها أيما حزن فبكاه الناس لفقدهم عالما جليلا كان يضيء أهل مدينته بالعلم والوعي والمعرفة والاصلاح والتوجيه، ويمتاز بالتكوين العلمي الفائق. وحسبُك أنه تخرج على يد علماء الزيتونة الكبار في عهده، وعلى علماء الجامع الأزهر المشهورين، فكان بهذا يشترك مع الإمام ابن باديس في الدراسة على شيوخ الإصلاح والعلم أمثال: سالم بوحاجب ومحمد النخلي، ومحمد الطاهر بن عاشور، وهم رجال الإصلاح على طريقة محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وكما قال ابن باديس فإنّ “محمد النخلي ومحمد الطاهر بن عاشور، يُرميَان بالبدعة لما لهما من اتجاه إصلاحي فرحم الله الشيخ بلقاسم اللجاني وأسكنه فسيح جنانه، ووهب له شباباً يقتدي بتضحياته وكفاحه في سبيل أمته ووطنه.
- لمن أراد الاستزادة فليراجع مقال الاستاذ عمار جوامع في جريدة البصائر العدد 692 / 2014م