الانحراف … !
عبد الحميد عبدوس
يمكن القول أن مسار تحريف توجه الحراك الشعبي، قد وصل مؤخرا إلى ما يشبه عملية اختطاف موصوفة للانتفاضة الشعبية، من خلال تواصل عمليات الاختراق والتضليل التي تنفذها أذناب العصابة وحلفاؤهم من الأقلية التغريبية، وتحول الحراك إلى ورقة تأزيم وتقسيم وتصعيد التوتر، واستعراض أسبوعي لمظاهر العنف اللفظي والاستفزاز المعنوي.
إن الحراك الشعبي الذي كان عند انطلاقه انتفاضة شعبية حقيقية شاركت فيه أغلبية الشعب ضد حكم العصابة، أصبح ورقة ضاغطة بيد العصابة لتحقيق انتقامها من قيادة المؤسسة العسكرية وعلى رأسها الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني الذي تعهد بتوفير ظروف خروج الجزائر من أزمتها تحت سقف الدستور، بالعمل على اجتثاث جذور الفساد وتفكيك جميع الألغام التي زرعتها العصابة في مختلف القطاعات والهياكل الحيوية للدولة لتركيع الدولة الجزائرية وتكريس تبعيتها للمستعمر القديم (فرنسا)، لذلك ليس من الصدفة أن تتقاطع أطروحات رؤوس العصابة وأذنابها ومنصاتها السياسية والإعلامية تجاه شخصية المجاهد الفريق أحمد قايد صالح، الرجل الذي أجبر بوتفليقة وعصابته على الاستجابة لمطالب الشعب بالرحيل عن السلطة، مع أطروحات وتقييمات الشخصيات الفرنسية الحاقدة التي كانت تعتبر الرئيس المقال عبد العزيز بوتفليقة ومنظومته الفاسدة بمثابة ” كنزها الاستراتيجي” في الجزائر .
فالسفير الفرنسي الحالي في الجزائر “كزافييه دريانكور” وضع الفريق أحمد قايد صالح على رأس أعدائه في الجزائر، واتهمه في المذكرات التي يرسلها إلى رؤسائه في باريس حسب موقع ( موند أفريك) بأنه:”عدو للحراك الشعبي” وشخص “متعطش للسلطة” وبأنه سيقود الجزائر إلى “منزلق أمني” . وقبل شهرين اغتنم السفير الفرنسي مناسبة الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي في 14 جويلية الماضي ليغدق الثناء على حراك 22 فيفري، قائلا:” منذ 22 فيفري بدأت الجزائر تكتب صفحة جديدة في تاريخها، مضيفا:” إنه ومهما كان المستقبل الذي تكتبونه (ويقصد الجزائريين) فإن شيئا واحدا لن يتغير وسيبقى، وهو العلاقة ما بين فرنسا والجزائر”.
ويعتبر السفير الفرنسي من أصدقاء الرئيس المقال عبد العزيز بوتفليقة والداعمين لسياسته المتحيزة للمصالح الفرنسية، فقد ظلت فرنسا الرسمية داعمة لحكم بوتفليقة إلى آخر المطاف. وكانت مصادر إعلامية قد ذكرت في السابق أن السفير الفرنسي كزافييه دريناكور متهم بأن له علاقة بــ “الاجتماع المشبوه” الذي عقد في زرالدة، وكشف عنه في 30 مارس 2019 نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح والذي حضره رؤوس العصابة من القوى غير الدستورية المسجونين حاليا بسجن البليدة العسكري.
عندما تحدث السفير الفرنسي السابق برنارد باجولي عن الوضع الصحي للرئيس المقال عبد العزيز بوتفليقة قائلا:”الرئيس بوتفليقة رغم احترامي الكامل له، حي اصطناعيا فقط”، تبرأ كزافييه دريانكور من تصريح سلفه ووصفه بأنه:” مجرد صب الزيت في النار، ولا يعبر عن موقف الدولة الفرنسية”.
وللتذكير فإن كزافييه دريناكور سبق له أن تولى منصب سفير فرنسا في الجزائر من 2008 إلى 2012، ثم عاد لمنصبه في جويلية 2017، كما شغل منصب مسؤول الأمن الخارجي الفرنسي (DGSE).
من الواضح أن فرنسا أصبحت تراهن على توظيف فعاليات الحراك لصالحها، بتكليف عملائها ممن يتسترون بشعارات الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان بخلق تنافر بين أبناء الشعب الواحد من جهة، والدفع نحو خلق الصدام بين الشعب وقوات الأمن من جهة أخرى .
ويجدر بنا أن نسأل هؤلاء المغامرين الذين يصرون على صب الزيت على النار، ألا يدركون أن النار إذا تسعر لهيبها، وخرجت عن نطاق السيطرة، يمكن أن تصل إليهم وتحرق مواقعهم وأحلامهم الحمقاء.
لقد سبق لي أن كتبت عن التحريف الذي طال مسار الحراك الشعبي بعد سجن رؤوس العصابة، في شهر ماي الماضي(2019) في جريدة البصائر بما يلي:”من المقلق أن تلوح في الأفق نذر تحول في مسار حالة التفاهم والتناغم التي تم بناؤها بين جماهير الحراك الشعبي وقيادة المؤسسة العسكرية طوال أسابيع متوالية من عمر انتفاضة فيفري 2019 ضد نظام الاستبداد والفساد الذي أقامه الرئيس المعزول عبد العزيز بوتفليقة لمدة عشريتين كاملتين، هذا التناغم الذي تحقق بفضل الروح النوفمبرية لقيادة المؤسسة العسكرية والاحترافية العالية للقوات الأمنية مما ضمن الحفاظ على سلمية الحراك، رغم محاولات اختراقه وتفجيره وإحداث الصدام، تلك المحاولات الآثمة التي وصلت إلى حد الاعتداء على عناصر من الشرطة بالأسلحة البيضاء من طرف بعض العناصر التخريبية المدسوسة وسط جموع المتظاهرين السلميين الذين يشكلون أغلبية المشاركين في الحراك الشعبي.
وبمرور الأيام تزداد حالة التعنت والعناد في صفوف أذيال وأبواق القوى غير الدستورية وعصابة المال الفاسد لتحقيق مخططاتها الشيطانية قصد الوصول بالبلاد إلى حالة الانسداد السياسي والفراغ الدستوري من خلال رفض وتشويه كل مقترحات معالجة الأزمة السياسية التي تقدمت بها قيادة المؤسسة العسكرية منذ الدعوة إلى تفعيل المادة 102 من الدستور..
والمفارقة أن الشخصيات والقوى السياسية التي كانت تستنجد بالجيش وتلح في دعوته للتدخل في الحياة السياسية في فترة التسعينيات من القرن الماضي، عندما كانت قيادة الجيش خاضعة لضباط فرنسا، الذين ورطوا الجيش في مواجهة الشعب والوقوف ضد خياره الانتخابي، وإقحامه في تنفيذ سياسة نشر استراتيجية الرعب التي أعلن عنها رئيس الحكومة الأسبق الراحل رضا مالك، هذه القوى السياسية والشخصيات ذات الماضي الاستئصالي ترفع عقيرتها اليوم بالدعوة لإبعاد الجيش عن مرافقة الحراك وحمايته من المخططات الخارجية للإيقاع به في مستنقع الفوضى والفتنة، كما أن الأبواق الإعلامية والميليشيات الإيديولوجية لتحالف القوى غير الدستورية وعصابة المال الفاسد هي التي تصور بأن الحراك يطالب بتنحية الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، وتنشر عبر قنوات تلفزيونية ممولة بالمال الفاسد منذ الجمعتين الفارطتين بعض الصيحات والشعارات الناشزة لمجموعات قليلة وشاذة وسط الحراك الشعبي تطالب برحيل المجاهد الفريق أحمد قايد صالح مع رموز النظام السابق، لخلق الانطباع بحدوث حالة من انفراط الثقة بين الحراك الشعبي وقيادة المؤسسة العسكرية التي برهنت حتى الآن أن الجيش قد استرجع احترام الشعب ومكانته الجديرة بالتقدير والإعزاز. ويبدو واضحا أن العصابة التي تعرضت إلى نكسة مؤلمة مع وضع بعض رؤوسها ورموزها وخدامها في السجون، ما زالت تتحرك بخبث وإصرار وضراوة، وتسعى عن طريق تضليل الرأي العام وتغليط الجماهير بكل ما تملك من دكاكين سياسية وأبواق إعلامية وشبكات اتصالية وعلاقات دولية لقلب الأوضاع وإنقاذ ما بقي لها من مصالح ونفوذ، قبل أن تتفرغ للانتقام من الشعب الذي ثار على فسادها وخيانتها للأمانة الوطنية”.