قضايا و آراء

من عوائق العمل الإسلامي!

 

 

 

بقلم: علي حليتيم‎

 

بين الماضي والحاضر تغيّر العمل الإسلامي كثيرا: في ميادينه وطرقه وأساليبه والعاملين فيه!

كان العمل الإسلامي في الماضي يعتمد كثيرا على الجانب الإيماني وعلى حماسة الناس واندفاعهم وعواطفهم العارمة الغامرة الصادقة في أكثر الأحيان، وكان الناس لا يلتفتون كثيرا نحو المناصب والمسؤوليات بحكم أن الجماعات الإسلامية لم تكن منتظمة في جمعيات رسمية وإنما هو الشيخ وحوله ثلة من الناشطين يقدم أحدهم العمل ويؤخره الكسل.

ولم يكونوا يلتفتون كثيرا إلى العوامل الخارجية حيث كان النظام آنذاك في عهد بومدين وأوائل عهد الشاذلي بن جديد يمارس المنع والتضييق على النشاط الإسلامي، بل كانوا يرون ذلك من سنن الله وطبيعة العمل وعاملا من عوامل التصفية والتربية والتنقية والترقية.

ثم برزت – أواسط الثمانينات – ظاهرة المساجد الحرة، وخفّ الخناق عن الدعوة الإسلامية وانطلقت الصحوة في الجزائر أقوى ما تكون حتى شملت جيلا كاملا برمته من الجزائريين.

وارتفع سقف تطلعات الصحوة الإسلامية حتى ولج إلى الميدان السياسي بعد حوادث أكتوبر 88 وظهر بعدها أن القيادات الإسلامية ذاتها تفتقر إلى أساسيات أخلاق العمل الإسلامي الجماعي وبرزت الفردانية والأنانية والغياب التام للشورى في أوساط الحركة الإسلامية مع تفشي السلوكات الذميمة شرعا، المفسدة للانسجام داخل جسم الحركة كالغيبة والنميمة والبهتان والتقاطع والتدابر !

واليوم وبعد هذه الرحلة الطويلة المليئة بالآلام والدماء والدموع والتي دفع فيها الشعب الجزائري الثمن غاليا ودفع فيها أبناء الحركة الإسلامية الثمن غاليا من أنفسهم وأهليهم وفقدت فيه الدعوة الإسلامية كثيراً من مكتسباتها في الميدان وكثيرا من مخزونها البشري، لابد لنا من وقفة – أو وقفات مثيرة – حتى نقف على أخطائنا ومواقع ضعفنا ونعترف بذنوبنا وتقصيرنا ونراجع أنفسنا لننطلق من جديد.

ولسنا نقصد بهذه الوقفات المراجعات التي تقوم بها بعض الجماعات الإسلامية مدفوعة من قبل الحكومات وبعض الدوائر المخابراتية لتتراجع عن مبادئها وأدبياتها وتتخلى عن قناعاتها في العمل السياسي أو في اعتبار الإسلام نظاما شاملا أو غير ذلك من الميادين.

وهذه المراجعة هي السبيل الوحيد لتكفر الحركة الإسلامية عن أخطائها فيما مضى ولتأمل أن تحقق نتائج أفضل فيما يأتي من السنوات والعقود.

إن المراجعة هي من سنن الله عز وجل وأوامره التي أمرنا بها، وهي من الأخلاق العظيمة التي ربّى عليها القرآن العظيم المؤمنين، حيث يعلم الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم والصحابة معه والمسلمين من بعدهم بعد كل غزوة أو حادثة، يعلمهم ربهم سبحانه ويربيهم ويبين لهم أخطاءهم وذنوبهم وتقصيرهم ويدعوهم إلى التوبة والأوبة وحفظ تلك الأخطاء حتى لا يعودوا إليها في المرة القادمة:{يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ويقول لهم إن الذي يتعلم من أخطائه يحوّل ذلك الخطأ إلى خير للمؤمنين:{لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}، وأن الذي لا يتعلم من خطئه يوقع نفسه في الذم من قبل الله عز وجل، وفي الخسار في مواجهة الخصوم مرة ثانية.

واليوم دخل ميدان العمل الإسلامي كثير من الناس ممن لم يتشبعوا بالأدبيات الإسلامية، ومن لم يمرّوا على أي مرحلة من مراحل التربية الإسلامية، وممن لا يملكون أدنى حظ من الثقافة الإسلامية، ولن ينفعنا أن نبكي على الزمن الجميل الغابر ولن نقدر أن نستقبل اليوم المدبر!

ودخل في الصف الإسلامي مع ذلك كثير من طلاب الدنيا بعدما انتظم العمل الإسلامي وتهيكل في أحزاب سياسية ترجى منها المناصب وجمعيات مدنية ترجى منها المنافع، وأصبح النشاط يعتمد على رأس مال ويجمع التبرعات والإشتراكات، بل وانحرف كثير من أبناء الحركة الإسلامية بعدما صبّت عليهم الدنيا صباً ودخل المجتمع الجزائري في مرحلة اقتصاد السوق المفتوحة وظهر الأغنياء الجدد بعدما كنا في زمن الاشتراكية سواسية أو نكاد وكان الأغنياء من الجزائريين يخفون غناهم يكادون يستحون به!

واليوم تجد الحركة الإسلامية نفسها أمام ذات العوائق التي كانت تواجهها في الماضي دون الدفعة الروحية التي كانت تدفعها إلى الأمام، بعدد أقل من الكوادر المتفانين الذين كانوا يبذلون كل جهدهم ووقتهم في سبيل هذه الدعوة، ووجدت نفسها أمام جيل جديد من القيادات يهتمون لمصالحهم وحظوظهم قبل اهتمامهم بالدعوة ومصلحتها، ووجدت نفسها كذلك في ذات الوقت أمام جيل قديم من قيادات الحركة الإسلاميه لا يريد أن يفهم أن شرط التغيير – الذي نريده جميعا – هو أن يرحل هذا الجيل القديم بالذات لأن الزمن لم يعد زمنهم والظروف لم تعد ظروفهم ولأنهم يقفون بشيخوختهم الزمنية والفكرية والإيمانية عائقا أمام تقدم الدعوة الإسلامية. ولو تأخروا قليلا لأحسنوا وحمد لهم ذلك، لكنهم تواطؤوا واجتمعوا حتى يمنعوا غيرهم من العمل، على حد قول شيخ الزاهدين في زمنه فضيل بن عياض:( افتضحوا فاصطلحوا).

ولله في خلقه شؤون!

 

اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. بارك الله فيك دكتور على وضحت و وفيت. حقا هو صراع بين جيل الشيخوخة المتحجر الذي لم يحضى بالتربية الإسلامية الحقيقية والذي صال وجال في الجزائر الإسلامية مدمرا لمبادئها الباديسية وضرب عرض الحائط لتحقيق استمرارية برنامج فرنسا التدميري بايدي جزاىرية مسلمة مغرر بها ولن يكون لهم ذالك مادام في الجزائر مخلصين صادقين يحبون الله و رسوله.

زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com