صفات المعلم الرباني وصلاح المنظومة التربوية في صلاح رجالها

ما هي صفات المعلم المربي الرباني؟ ليكون بحق ذلك الإنسان الإنساني الذي يتخرج على يده الجيل الرباني الإنساني؟ ووزير التربية معلم، ومدير المدرسة والجامعة معلم، والإمام في المسجد معلم، ومدير الشؤون الدينية معلم، والله تعالى أرسل النبي صلى الله عليه وسلم ليعلم الأمة:﴿كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:151] وفي الحديث:[ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي هذا] فقد كمل لدينا اليقين بأن صلاح المعلم وكلِّ من له صلة بالمنظومة التربوية هو الأساس في النهضة الحضارية. من الروضة إلى المدرسة القرآنية إلى الجامعة وكل المؤسسات والمرافق التعليمية. علمنا أن المعلم هو المبلغ المبين والمرشد الأمين، والقائد المخطط العبقري الحكيم الذي يقود جمعا من المتعلمين، ليخرجهم سالمين من المعركة التنافسية الحربية المستمرة بين الجهل والعلم، وما يستطيع القيام بهذا الدور العظيم إلا المعلمون الربانيون العظماء. فهل علمت السر أيها المعلم المربي الرباني لماذا قدمت لك بمقال كامل، مع ذكر طرف من اعوجاج بعض اليهود؟ وبعض أحبارهم الذين كانوا يحرفون الكلمة ولا يبينون الحق والحقيقة للناس.
1 ـ الصفة الأولى للمعلم أنه عالم بقدر مضامين البرنامج الذي يُسأل عن وجوب تلقينه وتعليمه للمتعلمين، أي الإحاطة العلمية للمناهج التعليمية وفق الاختصاص، مع القيم الإيمانية. وهذه الصفة تقتضي الدراسة والبحث المستمرين على الدوام، فالمعلم الناجح هو الذي يتعلم كل يوم ما يتعلق بتخصصه، وثقافة مجتمعه. وأن يخصص المعلم المربي لنفسه دفترا خاصا للبحوث والدراسات بشأن النظريات والقواعد العلمية، خاصة المصطلحات.
2 ـ الصفة الثانية للمعلم المربي الرباني الخطاب اللغوي، فعلى المعلم أن يتدرب على المهارة الخطابية بلغة بيانية فصيحة وواضحة وصحيحة. ليكون قادرا على إسماع المتعلمين بفصاحة وإحكام قواعد الكلام. فهذا موسى عليه السلام يذكر قيمة الفصاحة واللوذعية البلاغية المعبرة عن حقائق اللفظ ومتنه، يدعو ربه ويقول:﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ والمعنى: احلل هذه العقدة التي في اللسان حتى أبلغ عنك ما يفهمني به فرعون وقومه، وما يفهمني به بنو إسرائيل، فأبلغ ما أمرت به أحسن بلاغ وأحسن بيان، وأحسن شرح وتفصيل. ولم يكتف بهذا للتركيز على قيمة الفصاحة وأنها عامل كبير من عوامل حسن التبليغ والتفقيه وإسماع الآخرين، فقال عن أخيه:﴿وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾(القصص:34) فانظر كيف أظهر فضل الفصاحة حتى احتاج إليها تصديقا، لإثبات التلازم بين الحجة والبرهان وبين الفصاحة والبيان. فأسند التصديق إلى هارون، لأنه السبب فيه إسنادا مجازيا.
3 ـ الإخلاص في التبليغ. بأن يبلغ العلم بأمانة وإخلاص، ويسعى المعلمون جاهدين مجتهدين بأن يعلموا المتعلمين في الأوقات الدراسية في مدارسهم وثانوياتهم وجامعاتهم، المعلم الرباني المخلص مجاهد في سبيل الله في نشر العلم والمعرفة في سبيل الله، ويكفيه مرتبه الشهري، ويتذكر المعلم قول الله تعالى:﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾(الفرقان:52) جاهد بالعلم الجهلَ والتخلفَ والأمية، وجاهد بالعلم الضعفَ والانحرافَ والهرطقية. ويتذكر المعلم قول الرسول عليه الصلاة والسلام:[بلغوا عني ولو آية]. ولو رُزِق المعلمون النية والإخلاص (وليس هذا النقد للتعميم)، ولو كانوا ربانيين فعلا، لما بقيت الأمية معششة في كثير من مجتمعات المسلمين. ولو رزق كل العاملين في المنظومة التربوية من المعلمين والوزير والمبرمجين والمديرين والمفتشين، وأصحاب القرارات المخفيين عن أنظار المتعلمين) لو رُزِقوا جميعا النية والإخلاص، لما ظلت فتنة الدروس الخصوصية التي هي مسبة وعار في جبين المنظومة التربوية في بعض البلدان العربية التي استفحلت فيها ظاهرة الدروس الخصوصية، وهي علامة الإهمال المسكوت عنه عمدا، وعلامة على سوء التنظيمات التربوية وفشل التسيير، وعيب ثم عيب، أن لا يعلم المعلمون قياما بواجبهم في المدارس والمتوسطات والثانويات والجامعات في الأوقات الرسمية البيداغوجية المناسبة، ثم يفتحون مرائب وزرائب للدروس الخاصة من أجل السحت والغش وتربية الجيل على اللهف والشره وإهمال الوظائف العامة، وتعبيد الطريق للرأسمالية المتوحشة والاحتكار الغلابي؟؟ والمفروض لو كان المسيرون والمسئولون يقومون بواجبهم لعلموا أن التلميذ والطالب يجب أن يتعلم ويكفيه ما يتعلمه في القسم في الوقت الرسمي، فإذا كان لا يكفيه معناه فيه خلل في التوقيت أو الحجم الساعي أو المضامين أو كفاية الأقسام (حجرات التدريس) ويقال للمشرف على التعليم: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم، كيف يقال: هناك مدارس للتعليم، ويعترف الجميع على أنها لا تكفي، وتفتح دروس خصوصية مخالفة لكل قواعد التربية وعلم النفس، علنا أمام أعين الجميع، وصار الرضا بالتقصير عادة لا يستحي منها!!
4 ـ الإعداد المادي لما تقتضيه منهجية التدريس من الوسائل والبرامج، وتهيئة الظروف النفسية والصحية، وقلت من بداية البحث أن هذه الواجبات ليست مسئولية المعلم وحده ولا مدير المدرسة وحده، إنما كل من له كلمة في قرارات تخص التربية والتلعيم، ومن الإعداد الواجب للتلاميذ أن يجد المتعلم المقعد الذي يخصص له طول العام الدراسي، والكتب المدرسية التي يجدها في مكتبة المدرسة كلما احتاج إليها، والمعلم الذي يعلمه من يوم الدخول المدرسي إلى يوم إعلان النتائج، ومرافق الخدمات التابعة للمدرسة.
5 ـ حكمة التلقين ويسر التدريب، فالتعليم الحكيم بالكيف ثم الكم، أهمية المناهج التعليمية ليست قيمتها في كثرة المواد التعليمية وتراكم الموضوعات (المضامين) كأن يلقى على تلميذ التعليم الابتدائي خمس أو سبع مواد دراسية وفي بعض المناهج أكثر، فَيُرْهَقُ الْمُتَعلم وقبله الْمُعَلِم في عجزه عن التحضير، وعجزه عن إعطاء المادة حقها من التبيان والترسيخ في ذهن المتعلم. مع العلم أن المواد العلمية اللازمة لتلميذ الابتدائي هي أربع مواد رئيسة، زائد مادة تربية المواهب. والمواد هي: التربية القرآنية. اللغة العربية، والحساب والهندسة، والعلوم الطبيعية. وبالنسبة لمعلم القرآن حاليا قبل أن يكون القرآن مادة دراسية رسمية في المتوسطات والثانويات والجامعات كما هو الشأن في المنظومات التربوية في البلدان المسلمة. قلت: معلم القرآن في المدارس القرآنية التابعة للمساجد، (تحفيظ القرآن الكريم) أن يركز معلم القرآن على منهجية الحفظ وسلامة الترتيل وشرح بعض المعاني لكلمات القرآن الكريم. ولا ينبغي لمعلم القرآن ولا لأهل الطفل أن يتعبوا أنفسهم ويقارنوا الطفل العادي مع ذوي المواهب فالطفل الذكي الموهوب يمكن أن يحفظ القرآن في سن السابعة أو العاشرة والغالب في سن الثاني عشر، هؤلاء الذي يتفرغون لحفظ القرآن، أو يكون لهم ذكاء خارق من فضل الله تعالى. لكن الطفل العادي أو الثقيل الحفظ إذا حببنا له القرآن نكتفي بأن يتقن حفظ وترتيل حزب (سبح اسم ربك الأعلى) في مستوى التعليم الابتدائي، المهم نحبب له القرآن، وعلى أوليائه أن لا يرهقوه نفسيا بالعتاب ومقارنته بالموهوبين، فكل ميسر لما خلق. وهناك من الطلبة المنتسبين إلى المدارس القرآنية العصاميين يحبون أن يبدؤوا وعي القرآن ( الحفظ) من سورة البقرة منهم الطلبة الثانويون والجامعيون، فهم أيضا نشجعهم، ولا بأس أن نجعل كل الطلبة يحفظون سورة البقرة وأحكامها وحكمها ويرتلونها مثلا. فإن على معلم القرآن أن ييسر على مريدي هذه المدارس ويوجههم ويشجعهم، وأن يفرح بمن يتقن حظ وترتيل سورة الفاتحة، ثم سورة الناس، وهكذا.