قضايا و آراء

الطاغوت في القرآن/ أ. د. ليلى محمد بلخير

كتبت حروف هذه المقالة وذاكرتي مشبعة بما قرأت لشهيد الكلمة الصادقة سيد قطب، رحمه الله، وغيره ممن ماتوا في سبيل حرية الشعوب، وبالعودة إلى السيد، فقد أبدع في توصيف أنماط الطاغوت من القرآن الكريم، وبسط تجلياته وتمظهراته في الراهن المعيش، مقاوما بذلك طبائع الاستبداد وعنجهية السيطرة بالكلمة، وبناء الوعي الحقيقي المنتج للحركة والفعل، وكلما تزداد قوافل الشهداء، نتذكر شراسة الطواغيت وجبنهم في الوقت نفسه.

لا شك أن الطاغوت علامة فساد مهما كان وسمه أو رسمه، ولون قاتم من الظلم والقهر، ظل ثابتا برغم التحولات وصروف الزمن يقول الله تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا  إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء:60].

ترسم الآية الكريمة ظلالا لشخصيات أصبحت نماذج كونية بمواصفات ثابتة، موجودة في كل زمان ومكان، سواء كانوا من الزعماء وكبار الساسة، أو حتى من الوجهاء وعباد السلطة، أو نجوم الإعلام والفن والرياضة، طواغيت المال والأعمال والإعلام والغناء وكرة القدم، في أغلفة المجلات والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، معظمهم يعيشون المفارقة والازدواجية، منقسمين بين زعم باطل وادعاء كذوب بأن لهم مبادئ وأفكارا وقيما ومشاريع هادفة لنشر الخير، وبين خنوعهم  للفساد في شأنهم كله، وذلك باجترائهم على ارتكاب المظالم والشرور، وبيع أنفسهم للفحش والرعونة في كل ركن وساحة، والكل في سباق ولا يحسن التوقف لحظة واحدة، ليفهم دوره في المهزلة، يفرح بجنون، ويجن من الفرح، وكل مرة تقدم أرواح وتسفك دماء، ليعيش وينتعش طاغوت جديد.

من يصنع الطاغوت؟ يصنع كما يصنع الصنم، ويوضع في المعبد لتقديم النذور والقرابين، يقدس من قبل صانعه، وهو أعلم الناس بتفاهته وهوانه، وهي صناعة قديمة متجددة لقوله تعالى:﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ  وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي  نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ [الأعراف:127]، ويحمل إلينا السياق إشعارا على الدور الذي لعبته حاشية فرعون، حيث يؤدون دورا كبيرا في تأجيج الصراع، وتشكيل عنجهية أكبر طاغوت في التاريخ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي﴾ [القصص:38]، حيث نصب نفسه ربا على الأرباب، وحاليا أصبح للكرة الأرضية أرباب، وللأدب أصنام وأزلام، وللغناء والرقص وأفلام الكرتون والألعاب الالكترونية نصب مقدسة وطواغيت يتحكمون في الذوق ويسيطرون على العقول، ويدوسون على الرقاب بلا هوادة، ولا يموت طاغوت حتى يخلفه من هو أشد وأعتى، في الإعلام والتجارة والأدب وكل مجال من مجالات الحياة، ولله في خلقه شؤون، وللحديث بقية بحول الله .

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com