في وسط الشرّ شيءٌ من الخير/ عبد العزيز كحيل

أبت الحكمة الإلهية أن يكون في هذه الدنيا شرّ محض، فما من شرّ إلا وفي وسطه شيء قليل أو كثير من الخير يصعب على النظر السطحي إبصاره بسبب حجاب المعاصرة، إنما يدركه أصحاب العقول الراجحة والقلوب الموصولة بالله والحدس الصادق والنظر المتأني البصير الذين لا يسحقهم الواقع ولا يطيش بهم التعميم.
وهذا كتاب الله تعالى – ومعه السيرة النبوية – يعطينا في ذلك الخبر اليقين.
– يوسف عليه السلام: اجتمعت كلمة إخوته العشرة على قتله أي اتفقوا على الشرّ المحض لكن أحدهم تحرك ضميره واستبشع العملية واقترح بديلا فيه إبعاد ليوسف دون قتله:{ قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ}… وأخذوا برأيه، فهو منهم لكنه أنقذ يوسف من الموت.
أرأيتم كيف انبثق الخير من وسط ركام الشرّ؟
– موسى عليه السلام: فرعون بمحيطه كاملا يمثل الشر في أبشع صوره، تجبرا في الأرض وظلما واحتقارا للناس، لكن الذي احتضن موسى الرضيع وأنقذه من الموت الذي يترقب مواليد بني إسرائيل هي امرأة فرعون ذاته !!! والذي أنقذ موسى الشاب من مؤامرة اغتياله هو رجل من قوم فرعون جاء من أقصى المدينة يسعى، والذي رافع عن قضية موسى بالحجج العقلية القوية القاطعة وأفحم قوم فرعون هو رجل منهم أصبح معروفا باسم “مؤمن آل فرعون”.
– أصحاب الجنة: ورد ذكرهم في سورة القلم، إخوة أو شركاء في الزراعة اتفقوا على التبكير لحصاد زرعهم الوافر وغلّتهم الناضجة فجرا حتى لا يأتي فقير يطلب الصدقة، إذا طلع النهار يكونون قد انتهوا من العملية ولم يتركوا شيئا من المحصول يطمع فيه أي سائل أو فقير محتاج…انطلقوا بهمّة ونشاط لتنفيذ خطتهم الشريرة وصدموا بحقلهم قد أبادته عاصفة ليلية فلم تبق منه شيئا قليلا ولا كثيرا، فتكلم أحدهم – وصفه الله تعالى بأنه أوسطهم، والوسطية تدلّ دائما على الخير والأفضل والأصلح -:{قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}…هو منهم لكن كان يذكرهم بالله وينهاهم عن البخل، أي حذرهم من مغبة خطتهم فكان قبسا من خير وسط كتلة من شرّ.
– يوم الطائف: أساءت تثقيف استقبال الرسول صلى الله عليه من قريتها- الطائف – وقد جاء يعرض عليهم الإسلام ويعرفهم به ويناقشهم ويحاورهم، وأخرجوه شرّ إخراج، اجتمع على ذلك كبارهم وصغارهم، فغادر القرية منهكا حتى إذا ابتعد عنهم لجأ إلى بستان ليستريح من تعبه، هنا رقّ قلب ابنيْ ربيعة صاحبي البستان وتحركت في قلبيهما روح الإنسانية وأرسلا له طبقا من العنب مع خادم لهما… تصرف كريم من رجليْن ينتميان لكتلة من الشرّ.
– تنزيل على الواقع: حكومة نور الدين بدوي مرفوضة منذ عيّنها الرئيس- الكادر المخلوع، وجميع الجزائريين يطالبون برحيلها ويهتفون ضدها ويطردون وزراءها كلما قاموا بزيارة لولاية من الولايات، والحراك متمسك برفض انتخابات رئاسية تشرف عليها هذه الحكومة مهما كانت ضماناتها لأنها من بقايا النظام البائد والعصابة الممقوتة، لكني أسجل لها 3 إيجابيات:
– قرار وزير التعليم العالي إدخال الإنجليزية في الجامعات: هذا قرار صائب يحرر الجامعة والبلاد من التبعية الذليلة لفرنسا- واللغة الفرنسية بالنسبة لنا ليست “غنيمة حرب” كما يردد عبيده إنما هي أداة حرب بأتمّ معنى الكلمة- هذا من جه، وهو قرار من شأنه الأخذ بلغة العلم الأولى في العالم – ريثما نرفع من شأن العربية لندرس بها جميع العلوم والمعارف.
– قرار تعريب المحيط: هو الآخر قرار في محلّه لخدمة العربية والتحرر من سطوة الفرنسية، نأمل أن تمتد العملية لتشمل تطبيق قانون تعميم العربية الذي وأدته الأقلية الإيديولوجية المتحكمة.
– قرار وزير التربية تفعيل تشريعات الانضباط بالمؤسسات التربوية الخاصة بالهندام وتسريحة الشعر والسماعات وسلوك التلاميذ نحوها، وقد كانت بن غبريط تشجع الانفلات الأخلاقي عمدا في إطار حربها على الإسلام والقيم والمنظومة التربوية، فهذا الإجراء مرحب به وهو الخطوة الأولى الضرورية لإصلاح ما أفسده التغريب.
هكذا أرادت الحكمة الإلهية أن ينبثق الخير من الشر، وهذه رسالة أمل وتفاؤل مهما كانت الظروف.
أتمنى أن تسير الحكومة الشرعية المقبلة على هذا المنوال لتقلّص ظلّ الشر وتعمّم الخير.