حول الانتخابات/ التهامي مجوري

لا يوجد في العالم شعب يرفض الانتخابات التي تبني له مؤسساته بناء شفافا ونزيها، وتحقق له انتقالا ديمقراطيا نزيها، يجمع بين أطرافه السياسية ونخبه الوطنية ويؤلف بينها، لا سيما في وضع كالذي تعيشه بلادنا هذه الأيام، منذ استقالة الرئيس السابق وبطلان انتخابات التي كانت مقررة في شهر أفريل وفي شهر يوليو الماضيين.
كما لا يوجد شعب يقبل بانتخابات لا يتوسم فيها تلك المعاني، أو على الأقل لا يرى فيها ما يهدف إلى ذلك، واكبر شاهد على ذلك نسب المشاركة في الاستحقاقات كلها طيلة السنوات السبع والخمسين، باستثناء تجربتين اثنتين هما في سنتي 1990 و1991.
لأن منطق الأشياء يقول، عندما تكون المخاوف من أن هذه الانتخابات لا تحقق المطلوب، أو الخوف عنها من أن تكون مشوهة كسابقاتها، فإنها لن تكون إلا مكرِّسة لما ثار عليه الشعب وقاومه بأسلوبه الخاص، وآخر مقاوماته انتفاضته التي لا تزال تملأ الشارع، وأسوأ المبشرات الدالة على فشلها، إجراؤها من غير تحقيق شروط نجاحها وانتفاء موانعها، وعندما تفتقر هذه الانتخابات إلى شروط نجاحها وانتفاء موانعها فإنها تصبح كالخبر والميسر (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) [البقرة 219]، بسبب ما يحفها من محاذير ومخاطر، ومبشرات بفشلها.. وفشلها لا يكون بعدم اجرائها فحسب، مثلما وقع في الموعدين السابقين للإنتخابات الرئاسية أفريل ويوليو 2019، وإنما قد يكون الفشل بمجرد إجرائها بتعسف؛ لأن نتائجها سوف تكون من جنسها، بضعف المشاركة أو بسبب المقاطعة او بالتزوير…إلخ.
على أن إجراء انتخابات هكذا لأنها لا بد منها، من غير اعتبار لأي شرط آخر، لا يعني إلا تكرار الفشل، الذي لم ينتخب فيه الشعب الجزائري ممثليه في جميع المستويات، المحلية والتشريعينة والرئاسية، واكبر فشل، ما عاشته الجزائر وتعيشه خلال عقودها الستة التي لم تنجح فيها انتخابات إلا مرتين في الانتخابات المحلية –البلدية والولائية- في سنة 1990 وفي التشريعيات سنة 1991، التي أُعلن عن نتائج الدور الأول لها، وتينك التجربتين لم تستكملا العملية بحيث يحكم لها أو عليها. أما الأولى فقد حُلت المجالس المنتخبة في بداية التسعينيات بعد أقل من عامين، وأما الثانية فقد ألغيت نتائجها بتعطيل من أعداء الجزائر الحقيقيين، أما تجربة العهدات الأربع الرئاسية السابقة فقد كانت مهزلة سياسية بأتم معنى الكلمة، ابتداء من مرشح الإجماع بدعم من السلطة والطبقة السياسية الفاسدة، وانتهاء بترشيح مُقْعَد لا يقوى على رفع يده.
والشروط التي تهيء للإنتخابات وضرورة الالتزام بها، هو ما أكدت على ضرورته جمعية العلماء في جميع بياناتها، من أنها حريصة جدا على الاهتمام بالشروط التي ينبغي أن تتوفر، قبل الكلام عن المواعيد الانتخابية؛ لأنها الأساس الذي يبنى عليه النجاح. أما الانتخابات في ذاتها فهي غاية كل محب للاستقرار، ولكن في إطار الشفافية الكاملة وبتوفير أسباب النجاح الكاملة والصدقية الأكمل.
إن استعجال الأمر له يبرره ولا شك، إذ لا يمكن للجزائر أن تعيش بلا رئيس لمدة أطول، لا سيما والحراك يدخل شهره الثامن، كما وقع في سنوات التسعينيات 1992/1995، خاصة أن بعض الجهات تريد أن تمدد هذه الفترة إلى أطول مدة ممكنة؛ لأنها لا تراهن على الانتخابات، بسبب ضعف امتدادها الشعبي، وإنما هي حريصة على “المفاوضات” لضمان أخذ ما لا يتحقق لها بالصندوق، وهي قادرة على الوصول إلى ما تريد، بسبب تمددها في دواليب الإدارة، وبالاستثمار في عدم ثقة الشعب في السلطة..، ولكن الاستعجال بالانتخابات بأي وجه، ليس هو الذي سيحل المشكلة، أو يصلح كمبرر لإجرائها من غير توفير الأسباب؛ لأن تنظيم انتخابات بلا توفير شروطها الضرورية انتحار سياسي.
صحيح أن تنظيمها بلا مراعاة ضروراتها سيحقق إجراءها الشكلي، وسيفرز نتائج تتحدث عنها وسائل الإعلام، وستبث آراء المؤيدين والمعارضين لها، ولكنها لن تفرز النتائج التي ينتظرها الشعب بعد انتفاضته المباركة، التي انطلقت في 22 فبراير 2019، وإنما ستكون نتائج لا تملك من الصدقية، إلا القدر الذي حققته العصابة خلال ثلاثين سنة مضت.
والنتيجة النهائية التي سيحصل عليها الشعب –لا سمح الله- هي تكريس منهج العصابة الذي عملت على تثبيته خلال الثلاثين سنة الماضية، وهي التخويف من كل شيء.. تخويف الشعب من السلطة، وتخويف السلطة من الشعب، وتخويفهما معا من خصوم وهميين، وتهديد الجميع بالقوى الدولية، بحيث يعود الرعب للشعب من جديد بعدما شعر من خلال انتفاضته، أنه تحرر منه وحرر مؤسسات دولته التي كانت “مستعمرة”.