ما النهضة الاجتماعية إلا ثمرة البحث العلمي الجاد/ أمال السائحي
يقول خبراء علم الاجتماع:”إن الظروف الذاتية للنهضة، بالمعنى الدقيق للكلمة، هي إرادة وقدرة واستعداد وطموح الذات إلى النشاط الرامي إلى التحويل والتطوير الحقيقي والتقدم الجدير. وكذلك هذا النشاط نفسه الذي يستهدف رفع مستوى وعي وانتظام أفراد المجتمع، وتأمين شروط الحياة الكريمة لأبناء المجتمع كلّهم، مثل ارتفاع المستوى الاقتصادي، وتطوير مؤسسات التعليم والصحة”.
منذ فجر الحضارات الإنسانية بصفة عامة وحتى يومنا هذا، كان وما زال الاهتمام مستمر من قبل المفكرين بالتغير الاجتماعي، لذلك فإن مفهوم التغير قد عولج من قبل أولئك المفكرين من منظورات وتصورات مختلفة، وأبعاد واحتياجات مختلفة، وذلك تبعاً للاتجاهات الفكرية والأيديولوجيات السائدة في كل مجتمع، وفي كل عصر من العصور، وما يجمع عليه المفكرون هو: أن التغير ظاهرة اجتماعية، وحقيقة لا تقبل الشك، فالمجتمع بطبيعته متغير، فهو يأخذ من الجيل السابق جوانب ثقافية ويضيف عليها، تمشياً مع واقعه الاجتماعي، ومتطلباته المستجدة .
وإذا انطلقنا من هذا المنطلق الفكري، أعني به التغيير الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، مع تسليط الضوء على التعليم العالي، والطالب الجامعي والاختصاصات التي تطرح عبر الجامعة ليتسنى لطلابها أن يساهموا في التمنية أو النهضة الاجتماعية، بعد تخرجهم، كل في تخصصه وكل في مجاله، ولكن هل تسهم الجامعة في تطوير هذا المجال بالبحث العلمي، أو بوضع تخصصات في المجالات التي تتماشى والتنمية الاقتصادية تخدم التنمية الاجتماعية للبلاد…
يقول الدكتور كبّار عبد الله في هذه المسألة:”لقد تطورت البحوث العلمية بفضل سعي الباحثين لإيجاد حياة أفضل ومستقبل أكثر استقرارا للبشرية قاطبة، كما أن الصراع بين الدول الكبرى كالسباق نحو التسلح وغزو الفضاء والحرب الباردة بين القوى العظمى، وفرت مناخا ملائما لتطوير البحوث والاكتشافات العلمية، أما في عصرنا هذا الذي يمتاز بأنه عصر المنافسة الاقتصادية والمبني على ثورة الاتصالات والمعلوماتية، فقد شجع هو الآخر على التنافس بين الشركات من أجل افتكاك حصة الأسد في الأسواق العالمية، وبهذا فإن الدول التي تنفق بسخاء على البحث العلمي، هي بالطبع تلك التي تحصل على نتائج مرضية من الناتج الاقتصادي العالمي، فالولايات المتحدة الأمريكية مثلا تنتج 34% من مجمل الأبحاث العلمية والتكنولوجية العالمية وهذا ما مكنها من الاستحواذ على ما نسبه 30 و40% من حصة الاقتصاد العالمي، إننا هنا نلاحظ بأن قطاع الصناعة والتكنولوجيا هو مؤشر قوي لقياس تقدم الدول لذلك فهي تسعى دوماً للاهتمام بهما وإيلائهما أهمية معتبرة، غير أنه يلاحظ في الواقع الجزائري غياب رؤية مستقبلية للتعاون بين المؤسسات الإنتاجية ومؤسسات البحث العلمي، كما أنها تفتقر لمراكز بحث خاصة ملحقة بها، وينطبق هذا سواء على مؤسسات القطاع العام أو الخاص، على عكس المؤسسات الإنتاجية في الدول المتقدمة”.
فإذا من الجميل أن تركز الجامعة كل جهودها على البحث العلمي، وتهتم بالتخصصات التي تقتضيها التنمية الاقتصادية، لتجعل عجلة التنمية الاجتماعية تنهض من كبوتها وتتقد بوتيرة مقبولة، ويا ليت الدولة تسن قوانين إلزامية، تدفع بهذا القطاع مع مراكز البحوث إلى التطوير المستمر، وهذا كله في إطار رؤية استشرافية مستقبلية للبلاد، تساهم فعليا في رفع مستواها التنموي، وفقا لما يقتضيه العالم اليوم، ويضاعف فرص مناصب العمل لخريجي الجامعات في التخصصات التي نحن بحاجة إليها والتي تستجيب لطلبات اجتماعية ملحة…