من المؤهل للترشح لحكم الجزائر؟/ أ. د. عمار طالبي
إن عصرنا هذا، وما يصاحبه من زيادة وعي الشعوب، بما عمّ فيه من التعليم، ونمو الثقافة، يتطلب بالضرورة الوعي بمن هو مؤهل، وذو كفاءة ليتولى سياسة شعب يرنو إلى أن يسير جديد في طريق الحضارة، والتخلص من التخلف، وما يشد إليه من الاستبداد، والحكم الذي فقد الرشد، والمعرفة، فأفسد، وطغى، وسدّ منافذ الحرية، وانعدم حق المواطن، واختفى القانون والعدل.
وأود في هذه الكلمة الافتتاحية، ونحن على أبواب السنة الهجرية أن أشير إلى بعض المؤهلات التي وضع أصولها القرآن في آياته الواضحة، فأول هذه العناصر من عناصر الكفاءة: العِلم وسعته، والخبرة، وثانيها القوة البدنية والصحة الكافية، وثالثها الاستقامة الخُلقية التي عبّر عنها القرآن بالأمانة، وهنا أسوق آيتين: الأولى في سورة البقرة، وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾[سورة البقرة، الآية 247]، فبنو إسرائيل أنكروا على طالوت أن يكون ملكا عليهم، ورأوا أنه لا يستحق ذلك لأنه ليس ذا مال ﴿قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ﴾[ سورة البقرة، الآية 247]، فالمعيار عند بني إسرائيل إنما هو الثروة والغنى فقد عبدوا عجلا ذهبيا في عهد موسى عليه السلام نفسه، ونحن نرى الحكم في الغرب اليوم يناله الحزب الذي يبذل المال الكثير في الانتخابات، فأصحاب الأموال هم أصحاب السلطة غالبا، ونحن عندنا تشترى أصوات الناخبين بالمال والتزوير، وتسرق أصوات المواطنين.
لكن القرآن وضع الكفاءة العلمية وسعتها معيارا مهما للكفاءة القيادية ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾[سورة البقرة، الآية 247]، وقد ترجم البخاري في أحد أبواب الجامع الصحيح بهذه العبارة: “باب في أنّ العلم قبل القول والعمل”، ويؤيّد هذا قوله: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾[سورة الإسراء، الآية 36]، فلا يُقْدِم الإنسان على عمل شيء بدون علم مؤهل له على عمله، لأنه قد وهبه الله وسائل العلم من حواس كالسمع والبصر والفؤاد الذي عبّر به عن العقل. وبهذه النوافذ يكتسب الإنسان العلم والخبرة والتجربة، فلا عذر له إذا أهمل هذه الوسائل، فهو مسؤول عن إعمالها للوصول إلى العلم الذي يؤهله للتصرف السياسي وغيره؛ ويكتسب الأهلية والكفاءة في كل مسؤولية.
فكيف يحكم بلداً مقعد يكابد المرض، لا يكاد يبين، ولا يتحرك، ومن العجيب الغريب أن يصرح أناس يعتبرون أنفسهم قادة سياسة، ونخبة من أحزاب وجمعيات وأفراد بالعهدة الخامسة، وهم يشهدون ويرون بأعينهم عجزه التام، فهل فقدوا عقولهم، أم أن الله أعمى بصائرهم؟ فانكشف أن هؤلاء مفسدون دمروا ثروة الوطن، وأرادوا أن يواصلوا في ظله النهب والفساد، فأفقدهم ذلك كله عقولهم لأن حب المال يعمي ويصم، فلا نريد في وطننا أمثال هؤلاء من الفاقدين للأهلية، استعمالهم أداة للفساد والدمار، لذلك ننبّه المواطنين أن يكونوا على وعي تام بمدى ما للمترشح للرئاسة وغيرها من معرفة تؤهله لتحمّل أي مسؤولية، في أي مستوى من مستويات المسؤوليات، وفي كل ما يتصل بمصالح الوطن وقيمه وثروته وسياسته الداخلية والخارجية.
ومن أهم هذه العناصر المؤهلة للترشح الجانب الأخلاقي، الذي عبّرت عنه الآية بالأمانة، في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾[سورة القصص، الآية 26]، فاستئجار شخص لأداء عمل ما مسؤولية تتطلب القوة البدنية والأمانة، فأية مسؤولية إنما هي أمانة، من أدنى مستوى في المسؤولية إلى أعلاها وقمتها.
فموسى عليه السلام شعر بضعف بنتين من بنات شعيب في مدين عن سقي الماء، فتقدم وهو القوي وسقى لهما في ذلك الزّحام، ولاحظت إحدى البنتين أمانته الأخلاقية فإنه لم تبد منه نظرة مريبة إلى البنتين، وربما كانتا جميلتين، كشأن نساء الشام، لذلك أوصت أباها أن يستأجره لما اتسم به من قوة وأمانة.
وقد تقدّم العلم في زماننا هذا أيما تقدّم، فأصبح اقتصاد المعرفة معلما عظيما من معالم القوة، فالأمة القوية في العلم تصبح قوية في اقتصادها، وسياستها، وصناعتها، ودفاعها عن نفسها، وتكون لها هيبتها وكلمتها في المجتمع الدولي.
ندعو الحراك الثائر وكل مواطن أن يكون على حذر في هذا الجانب، وأن لا نسمح للمغامرين والجهلة، وصعاليك السياسة والتزوير أن يخدعونا مرة أخرى، فإن المواطنين إذا انتخبوا يؤدون شهادة، فلا يجوز أن تكون شهادة زور وكذب، فإن ذلك من الكبائر الأخلاقية والسياسية، يحاسب عليها صاحبها في الدنيا ويوم القيامة، كما قال شيخنا الأستاذ سعيد شيبان، في حديث بيننا في هذا الشأن، لا تسمح لأصحاب المال ولا لأي مزور أن يشتري صوتك وشهادتك أيها المواطن، فذلك خيانة للأمانة وللأمة.
وعليك أن تميّز بين دعاة الشعارات الكاذبة والدعوة الفارغة الخادعة، وبين أصحاب الجد، والصدق، والمعرفة والخبرة، فإن الذي يقود سفينتنا في البحار ذات الأمواج، إذا لم يكن صاحب علم وأهلية لقيادتها تغرق ولا تنجو وترسو في بر الأمان.
وهذا أول عام هجري (1441هـ) يطل علينا، ويذكّرنا بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة، القرية الظالمة المضطهدة للمؤمنين، وبهذه الهجرة جاءت مرحلة جديدة في تاريخ الأمة الإسلامية، وتكونت دولة يسميها ابن رشد بالمدينة الفاضلة التي قامت عليها حضارة جديدة، وتاريخ مشرق في العالم، ولعل الحراك في بلادنا يفتح أفقا جديدا، وتاريخا ينقلنا إلى عهد دولة القانون والعدل، ونمو العلم والثقافة، والاقتصاد، بقيادة رجال ونساء مخلصين صادقين، ويهجر وطننا الظلم والاستبداد والفساد، ليسوده الحق والشورى، والديمقراطية، ويذهب الزيف والتزوير وأصحابه، وتتحقق إرادة الأمة في اختيار من يحكمها اختيارا حرا شفافا، تقوم به هيئة مستقلة على أساس قانون للانتخابات لا ثغرة فيه ولا تلاعب لفائدة حزب أو جماعة، ولا تتدخل فيه الإدارة، إبعادا لكل محاولة تزوير أو شراء الأصوات بالمال.
وتهجر الأمة الإسلامية في العالم الاستبداد، والقتال، والتشتت والتبعية لغيرها، لتأخذ طريقها إلى وحدتها وقوتها ومكانتها الحضارية بين الأمم ومهابتها، نسأل الله التوفيق والسداد، لشعبنا الوفي لمبادئ أول نوفمبر، والثوابت الوطنية، والجمهورية الصالحة الحضارية.
صحيح قولك
إن الذين صفقوا للعهدة الرابعة واواصوا التصفيق لتأسيس العهدة الخامسة هم بشر فقدوا الأهلية لتولي مناصب ومنهم رئيس حىكة حمس وأمثاله من جلسائه كالشيخ الفاضل بوڨرة سلطاني
هؤلاء كلهم الله أعمى أبصارهم وأضل أعمالهم
إن معيار المسؤولية في ديننا الحنيف وحتى عند الغرب
*بسطة في الجسم
*بسطة في العلم
*الأمانة
موضوع ممتاز،أشكرك أستاذنا على هذا العمل،كما أشكر إدارة جريدة البصائر.