دور الدين في حياة الناس/ أ. آمنة فداني
قال المؤرخ والمحدث ابن حبان رحمة الله عليه:” الحكمة ضالة المؤمن يأخذها ممن سمعها ولا يبالي من أي وعاء خرجت”.
إن الدين الحق لا يمكن أن يقف ضد التوجه النافع الصالح ولا ضد الذي يتخذ مسلكا سليما للوصول إلى هدف نبيل أو غاية مفيدة، كل طموح يأمل لغد زاهر ومستقبل متطور يبقى فقط أخذ الأسباب المعقولة والابتعاد عن الهامشيات والرؤية السطحية الضيقة، فإرضاء الجميع غاية لا تدرك.
الحوار وسيلة وليس غاية للعبور السلس لمستقبل أي بلد فهو بذلك حتمية واقعية، فالمجتمع المتطور هو الذي تسري فيه هذه الخصلة، لذا فإننا مطالبون بأن نفكر ونساهم في نفس الوقت في تكثيف الجهود والسير بالبلد خطوة نحو المستقبل، فدافع الواجب يتطلب ذلك، أليس الإحساس بالمسؤولية والشعور بها أمر على جانب من الأهمية في حياتنا، فلا يجوز أن تغيب سلامة العقل ويرمى بها إلى اللامبالاة فلنلتزم العقلانية ومعالجة جميع المواقف بروية وشجاعة، فالمسؤولية موزعة على الجميع وإن تفاوت مقاديرها، فلنكن كالبذرة إذا زرعناها بنية صادقة صلحت ونمت.
إن ثقافة الصلحاء تثمن الحوار بين الفرقاء فهو واجب حساس تقتضيه المرحلة لتقريب وجهات النظر، فالفترة مبهمة يصعب التنبؤ بها، لقد أصبح كل مواطن غيور على هذا الوطن يشعر بأعباء هذه الأزمة لذا لابد أن نتدارك الوقت.
إن المتأمل في المواقف الوطنية لأعلام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عبر الزمن في الأوقات التي تقتضيها أي مرحلة حساسة يدرك قيمة هؤلاء العظام، فلنأخذ مثلا عينة من أقوالهم:
قال الإمام عبد الحميد ابن باديس عليه رحمة الله في الأصول العشرين لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقسنطينة الجامع الأخضر إثر صلاة الجمعة 4ربيع الأول 1345هـ البند 20: “عند المصلحة العامة من مصالح الأمة يجب أن تتناسى كل خلاف يفرق الكلمة ويصدع الوحدة ويوجد للشر الثغرة ويتحتم التآزر والتكاتف حتى تنفرج الأزمة وتزول الشدة بإذن الله، ثم بقوة الحق وادراع الصبر وسلاح العلم والعمل والحكمة”.
* يقول الشيخ العربي التبسي عليه رحمة الله في كتاب مقالات في الدعوة إلى النهضة الإسلامية في الجزائر جمع وتعليق الدكتور شرفي أحمد الرفاعي:”نحن نفهم والعالم يدري أن الفرد الجزائري قوي، أبي، كريم، صدوق قد وهب من ضروب الكمال ما لم تنله أفراد وتجمعه جماعة من غير استثناء ولكن صلاح الأمم ومصير الشعوب ليس في مقدور الفرد ووظائف الآحاد، وإنما هي مرتبطة بالجماعة ارتباط العلة بالمعلول والمسبب بالسبب، فهيا بنا إلى العمل متضامنين مجتمعين ويد الله مع الجماعة والخير فيما رأت الأمة ومن قدر أن ينفع أخاه فليفعل ولعمري أنه لحق عليكم إصلاح امتكم ومالكم لا تفعلون؟ واذكروا تلك الآية الجامعة{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}[الزلزلة:7].
* وفي أول خطبة جمعة بمسجد كتشاوة بعد الاستقلال قال الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله في إحدى مقاطع خطبته والتي كانت على شكل أدعية ونصائح للأمة قائلا:”وأسأله تعالى للقائمين بشؤون هذه الأمة ألفة تجمع الشمل، ووحدة تبعث القوة، ورحمة تضمد الجراح، وتعاونا يثمر المنفعة، وإخلاصا يهون العسير، وتوفيقا ينير السبيل، وتسديدا يقوم الرأي ويثبت الأقدام، وحكمة مستمدة من تعاليم الإسلام، إلى أن يقول ونحي بالعمار والثمار والغيث المدرار هذه القطعة الغالية من أرض الإسلام التي نسميها الجزائر والتي فيها نبتنا وعلى حبها ثبتنا ومن نباتها غذينا وفي سبيلها أوذينا”.
هكذا كان تفكير الحكماء الصلحاء، فلتتضافر جهودنا جميعا بالتقرب من بعضنا البعض، لأن غياب التقارب يؤثر بشكل سلبي ولا يحقق المبتغى والسعي لإيجاد الحلول الناجعة بالحوار، وسيكبح لا محالة هذه الإشكاليات والخروج من هذا الانسداد فبالإصرار والشجاعة والصبر والعزيمة يوفق الله سبحانه وتعالى ويبارك، ونكون بذلك قد أدينا واجبا مهما وساهمنا في إيجاد الحل والتطور نحو الحسن، قال تعالى في سورة التوبة الآية 105 {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}