قضايا و آراء

الحفل والقتلى والدين/ عبد العزيز كحيل

تصوروا أنه لم تحدث أية حالة وفاة في الحفل الغنائي المشؤوم، هل يعني هذا إذًا أن الأمر مقبول ولا حرج فيه؟ الحرج فقط في سوء التنظيم والتدافع والقتلى؟ رب عذر أقبح من ذنب… المشكلة قائمة أصلا وتتمثل في مجتمع مسلم يستسيغ المعاصي الكبرى ويألفها حتى تصبح شيئا عاديا وتجد من يروّجها ويشيد بها ويجعل منها ركائز للفن والثقافة والترويح عن النفس… حفل تشرف عليه الحكومة، هو من أوله إلى آخره اختلاط وعري وخمور ومهلوسات وانحطاط خلقي ورذائل كما يعلم القاصي والداني، اجتمع فيه كل ما يغضب الله تعالى، هل هذا أمر مستساغ؟ ننتظر حدوث الموت حتى نستنكر؟ إن هذا في حد ذاته منكر يجب أن نتوب منه إذا كان في القلوب إسلام وإيمان… المنكر يصبح عندنا معروفا، فإذا نهى عنه العلماء والخطباء والدعاة صُنفوا في خانة المنكر وأصحابه، فقط لأن العلمانية المتوحشة الطاغية سلبت العقول وطمست على القلوب ووضعت المجتمع أمام الأمر الواقع: باسم الحرية الشخصية لا يوجد شيء اسمه حرام أو منكر، النهي عنه يعرّض صاحبه للمساءلة القانونية، والدين والأخلاق في كل هذا؟ الدين صلاة والصلاة مكانها المسجد، أما الأخلاق فشيء نسبي لا دخل للدولة ولا الرأي العام فيه… هذه هي العلمانية التي نجحت في تجفيف منابع التديّن حتى تخرج كامل جيل انخرط في مواكب الفارغات لا تربطه بالإسلام إلا النشأة.
وزيرة هي خريجة العلب الليلية والمواخير، مراهقون وشباب تربوا في أحضان الرذيلة، رأي عام يستنكر “سوء التنظيم” ولا يستنكر المعاصي في حد ذاتها … أي إيمان هذا؟ بل هناك من يتباكى على الملايير التي أنفقت على الحفل وأخذ جزءا كبيرا منها ذلك المغني المخنث (الماسوني؟) لكن المعصية في حد ذاتها لا تحركه… كيف ينصرنا الله؟ كيف يغيّر ما بنا؟ أين جيل النصر؟ أهذا الذي تنشئه وزارة الثقافة في غياب الآباء والأمهات؟

هذا مربط الفرس: غياب الأولياء هي كارثة تبلغ أوجها حين يحضر هؤلاء الأولياء مواطن الفجور ويصطحبون أبناءهم وبناتهم لحفلات صاخبة هي محاضن لتخريج المجرمين والمنحرفين والتافهين.

الناس يلقون باللائمة على المساجد والأئمة ويغفلون عن وظيفة البيوت التي استقالت من مهمة التربية، فهل هؤلاء الشباب والمراهقون من رواد المساجد؟ هذا شبه مستحيل لأن بيوت الله تبغض للناس المسكرات والمخدرات والزنا … وكثير من البيوت لا تفعل ذلك بل لعلّها تزينها للنشء.

أين الحرائر المتمسكات بشدة بالعفة في أنفسهن وبناتهن؟ أين الرجال- وليس الذكور– الذين يحتلّ العرض عندهم مقام الصدارة فلا يرضون السوء في نسائهم؟ يجب أن نعترف أن العلمانية التغريبية الفرنكوفيلية قد نجحت في مهمة محاربة الدين والأخلاق وطمس الآداب عبر تحريف المنظومة التربوية والإعلام الذي صارت كثير من وسائله حربا شعواء سافرة على الدين وتعاليمه وأخلاقه وشرائعه في الصحافة العمومية والخاصة.
لا شك أن صحافة “التنويريين الحداثيين” ستطلق صفة “الشهداء” على موتى الحفل، ولو كان للسلطة مفتي الجمهورية لبصَم على ذلك بالعشَرة… إنه زمن غربة الإسلام، يكرّم من ينشر الرذائل ويصبح مقياسا للنجاح ونجما يُقتدى به، ويُفسح المجال لكلّ طاعن في دين الله، في القرآن الكريم والسنة النبوية وتاريخ الأمة، وتُهمش الأصوات الأصيلة حتى يعتقد الرأي العام أن لا وجود لها.
اللهم إنا نبرأ إليك من هذه المعاصي ونبغضها لوجهك الكريم كما أمرتنا، والمعصية تبقى معصية ولو استباحها الناس جميعا، والدعاة إلى الله يستمرون في إنكارها باليد واللسان، فلْينكرها المسلمون بقلوبهم على الأقل.

اللهم ارحم موتى المسلمين وارحمنا معهم

{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com