شــــــهــــــر الله المـــحــــرم/ أمال السائحي
يحُلُّ شهر الله المُحرَّم، فيتذكَّر المسلمون ذلك الحدث العظيم، الذي قلَب موازين التاريخ، وغيَّر وجه البشريَّة، إنَّه حادث الهجرة النبوية المباركة من مكَّة المشرَّفة إلى المدينة النبويَّة، التي كانت سبيلاً إلى إنشاء الدولة الإسلامية؛ حيث شعَّ نور الإسلام في الأصقاع، ودخل النَّاسُ في الدين أفواجًا.
فهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الأستاذ الدكتور خالد النجار:” … إعلانٌ تاريخيٌّ بأنَّ العقيدةَ هي أغْلَى ما تملِك هذه الأمَّةُ المحمديَّة، وهي مصدرُ عزِّها ورُشدِها، ومُنطلقُها في الأمرِ كلِّه، والتفريطُ فيها هو الذي أوقعها في فخِّ المِحن والإحن، والتاريخُ خيرُ شاهد، وفيه عِبرةٌ لمَن يعتبر”.
فالهجرة تغييرٌ وتعديلٌ لأوضاعٍ خاطئةٍ، وحياةٍ راكدة، إنَّها هجرةُ المسلم بقلبِه من محبَّة غيرِ الله إلى محبَّتِه، ومِن عبودية غيرِه إلى عبوديتِه، ومِن خوفِ غيرِه ورجائِه والتوكُّلِ عليه إلى خوفِ الله ورجائِه والتوكلِ عليه، ومِن الدعاءِ لغيرِه وسؤاله والخضوع له والإخبات إليه، والذلِّ والاستكانة له، إلى دُعائِه وسؤالِه عز وجل وهذا معنى قولِه تعالى:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}[الذاريات:50].
فالعقيدةُ إذن هي أشرفُ مبتغًى، وأسْمى ما رسَّخه المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليه-، فدونها تهون الأوطان، والأحبابُ والخِلان، والأموال وسائر ما تَحرِص عليه نفس الإنسان، فحاجة العباد إليها، فوق كل حاجة، وضرورتهم إليها فوق كل ضرورةً؛ لأنَّه لا حياةَ للقلوب ولا نعيمَ ولا طُمأنينةَ إلا بأن تَعرِف ربها، ومعبودَها، وفاطرَها بأسمائِه وصِفاته وأفعالِه، ويكون مع ذلك كلِّه أحب إليها مما سواه، ويكون سعيُها فيما يُقرِّبها إليه دون غيرِه مِن سائرِ خلقه.
إن توعية طفل اليوم أصبحت لزاما على الوالدين، لأنك إن لم تأخذه أنت إلى شاطئك، أخذه غيرك إلى الشاطئ الآخر، فلابد لنا من التفرغ الجدي لهذه القضية، واعتماد الحوار الهادئ معهم، حتى يكون هناك البناء الجاد لجسور التواصل بينك وبين أطفالك، وحتى تشكل مضامين محاوراتك معهم المرجع الذي يعودون إليه لحسم ما يعرض لهم من مشكلات، وتقرير ما يتخذونه من مواقف.
من الجميل أن نقدم لأبنائنا النصح والتوجيه عند الحاجة، ولا أصلح لذلك من تكوينهم عقائديا، وتنشئتهم على الأخلاق الفاضلة الكريمة، فإن ذلك هو الذي يضع بين أيديهم أقوى سلاح وأمضاه، لمواجهة ما قد تفاجئهم به الحياة ذلك هو الذخر الذي ينفعهم أكثر من المال المودع في البنوك، أو الفيلات الباهرة، والسيارات الفاخرة، حيث أن صلاح دينهم يحفظهم من الضلال، وحسن أخلاقهم يسخر لهم قلوب الرجال، وذلك يضمن لهم سعادة الدارين وذلك ما يتمناه ويرجوه كل عاقل فيما أحسب وأعتقد…