أخيرا .. يتحقق توازن الردع/ أ. محمد الحسن أكيلال
إيران القوة الإقليمية
أخيرا.. بعد اثنين وأربعين سنة مضت على حياة جبهة الصمود والتصدي وواحد وأربعين سنة على اغتيال المناضل الزعيم الخالد الرئيس هواري بومدين المبادر الأول لتأسيس هذه الجبهة التي كانت أهم أسباب اغتياله من طرف عملاء الموساد والمخابرات الأمريكية.
بعد هذه العقود الأربعة، يشاء الله عز وجل أن تبعث من ركام الدمار الذي أصاب العراق وسوريا وفلسطين واليمن في انتظار ليبيا أنفاس تنساب في أجواء هذه الأقطار لتعانق روح الرئيس المرحوم لترافقه إلى إيران التي كان أول رئيس دولة عربية فرح بانتصار ثورة شعبها فكتب رسالة مطولة حملها لمدير أمنه العقيد عبد المجيد علاهم رحمه الله إلى الرئيس الراحل فيدال كاسترو رئيس كوبا في ذلك العهد، خلاصة الرسالة في جملة مفيدة كما قال حاملها ذات يوم: صديقي فيدال هاهي الثورة الحقيقية التي تعوضكم عن أوثانكم الآدمية التي أردتم عبادتها.. إنها ثورة روحية محضة لا علاقة لها بالمادية التاريخية ولا بلينين وماركس وأنجلز.
بومدين مسلم سني إلى حد النخاع أزهري حفظ القرآن كله قبل الثانية عشر ويعرف أن الإمام الخميني شيعي المذهب، ولكنه مطمئن لأفكاره السياسية لأنه اختار طريق الثورة، والثورة تلغي المسافات بين المذاهب والأديان طالما تقربها من عبادة الله الواحد الأحد: الرجل وهو تحت وقع الصدمة التي خلفتها فيه جريمة اغتيال المناضل الإيراني ورئيس حكومتها محمد مصدق من طرف المخابرات الغربية الإمبريالية الصهيونية والصدمات الأخرى المتتالية كالعدوان الثلاثي على مصر1956 ثم حرب جوان 1967 التي انتقد فيها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إذ وصفها بحرب الساعات الستة بدل الأيام الستة كما يقول الإعلام المصري، ثم حرب 1973 التي تحول فيها النصر العسكري للجيوش العربية إلى هزيمة لتبنى عليها المواقف الجديدة للنظام المصري الجديد بزعامة الرئيس محمد أنور السادات ليفاجئ الجميع بزيارة القدس ثم توقيع اتفاقية «كامب دينير».
كل هذه الانتكاسات المتراكمة في وعيه ولا شعوره في آن واحد إلى جانب تجربته في ثورة بلاده –الجزائر- التي خاضت ضد الاستعمار حرب تحرير انتهت بتحقيق النصر جعلته يبادر إلى اقتراح جبهة الصمود والتصدي كأرضية مثلى لخوض الصراع الحقيقي الذي كان يجب أن تقوم به الأمة ضد الإمبريالية والصهيونية العالمية لاسترجاع فلسطين وطرد فلول هذه الامبريالية من كل المنطقة.
عمالة بعض الأنظمة التي استمالها الغرب ووعدها بالمساندة لزعامة الإقليم مثل الرئيس العراقي صدام حسين الذي دفعوه لمهاجمة إيران منذ الوهلة الأولى من انتصارها على النظام الشاهنشاهي العميل لأمريكا وإسرائيل وكذلك تفكيك محور المقاومة الذي أسسته جبهة الصمود والتصدي.
الثورة الإسلامية الإيرانية تستعيد الزمام
الثورات الأصيلة ذات العمق الشعبي هي التي تنتصر دائما مهما تكالبت عليها قوى الطغيان والجبروت والغطرسة بكل ما تمتلك من أسلحة وعتاد وتنظيمات استخبارية وجوسسة متعددة الجنسيات.
الثورة الإسلامية الإيرانية التي زرع بذرتها الأولى المناضل الكبير محمد مصدق استطاعت بعد سبعة وعشرين سنة من ردمها أن تلتهب مرة أخرى وتستوي بركانا يؤجج محيطه ويحيي حلم الشعب الفلسطيني الذي كانت قضيته ولا تزال السبب الحقيقي وراء كل الحروب والمآسي.
واجهت الثورة الإسلامية منذ أيامها الأولى إرمادة جبارة من القوى المناهضة لها مسلحة بكل ما أنتجه العقل البشري من ابتكارات واختراعات وأفكار وجواسيس وعملاء مأجورين وأساليب تركيع أولها الحصار الاقتصادي وتجميد أموالها في البنوك الأمريكية ومع ذلك لم تستطع أن تخترق صفوف شعبها الصامد الصابر المقتنع كل الاقتناع بالمشروع النهضوي والطرح اللذين اقترحتهما عليه ثورته.
لقد افتضحت كل تلك الأساليب والاستفزازات واتضحت النوايا الأمريكية والغربية اتجاهها وآخر ما لجأت إليه الإدارة الأمريكية الجديدة التملص من الاتفاق النووي الموقع من طرفها إلى جانب الدول الكبرى وألمانيا والأمم المتحدة، الاتفاق الذي يلزم هذه الإدارة برفع العقوبات ودفع أموالها المجمدة. ولزيادة حدة الاستفزاز ولعلمها بكون الإستراتيجية الإيرانية ترتكز على تحرير فلسطين من الصهاينة والتخلص منهم كقوة رشحها الغرب لزعامة الإقليم، فقد بادر الرئيس “ترمب” إلى إعلان القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني المحتل لأراضي فلسطين.
الاستراتيجة الأمريكية الصهيونية لتركيع إيران روعي فيها بدقة عنصر التدرج والمرحلية في احتلال مواقع الاشتباك في كل جغرافيا المنطقة من أفغانستان شمالا إلى اليمن جنوبا إلى شمال إفريقيا غربا، وكان الهدف هو تفكيك كل الأنظمة الرافضة لوجودها في المنطقة. لقد بدأت بطرد منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت ثم جرها إلى أوسلو الذي دفع بها إلى سجن رام الله حيث وضعت السلاح وخضعت للشروط الإسرائيلية التي من بينها التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال.
أول تجارب واختبارات القوة كانت في حرب عام 2006 ضد حزب الله أحد أهم أذرع الثورة الإيرانية وقد حدثت بعد ثلاث سنوات من غزو العراق بقوة دولية بعضها من البلدان العربية وبتمويل عربي 100%.
الانتصار الباهر الذي حققه حزب الله ضد العدو الصهيوني سرع عملية تدمير العراق ثم سوريا والمقاومة في قطاع غزة عساها بذلك تقطع الطريق أمام محور المقاومة الذي تتزعمه إيران.
دمر العراق أرضا وشعبا وجيشا ودولة ثم سوريا ثم اليمن ثم ليبيا ومع ذلك أثبتت التجربة والاختبار أن الثورة الإيرانية مازالت قوية بل وتتحدى عسكريا وتكنولوجيا بعد إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة في سماء إيران وحجز ناقلة النفط البريطانية مقابل حجز ناقلة نفط إيرانية بجبل طارق بطلب من الرئيس الأمريكي شخصيا. بالأمس قررت السلطات البريطانية في مستعمرة مضيق جبل طارق رفع الحجز عن الناقلة الإيرانية مع رفض طلب ترمب هذه المرة.
لقد ثبت الآن أن إيران تقف الند للند لأمريكا وهي التي تتزعم الإقليم، فهي القوة الإقليمية الوحيدة في المنطقة وما على أمريكا وإسرائيل إلا أن تقوم بتغيير إستراتيجيتهما لتفادي كارثة زوال إسرائيل وطرد كل الأساطيل الأمريكية من المنطقة وسقوط عروش الخليج العميلة.