تذكرة الموت/ عبد العزيز كحيل
أعظ بها نفسي قبل غيري…لأني عندما أقول أنا فإني أقول أنت…
في يوم من الأيام سوف يأتيني ملك الموت، بالليل أو النهار، في الصباح أو المساء أو بينهما، بعد مرض طويل أو قصير أو دون مرض، ربما أنا في لهوي أو عملي، ربما وأنا أخطط للدنيا ونستقبل الأيام، ربما وأنا في خصام ونزاع مع الناس من أجل الفانية…
وتبدأ رحلة الآخرة: التغسيل ولباس لا أختاره لنفسي ولا أجهزه وفق مزاجي، بل ثوب بسيط أستوي في لبسه مع الغني المنعم والفقير المعدم، ثم صلاة لا ركوع فيها كم كنتُ أؤدي مثلها أمام نعش غيري، ثم حملٌ على أكتاف الرجال ينتهي- سواء أسرعوا أو تثاقلوا – إلى القبر… وما أدراك ما القبر: أدخله بالكفن وحده ثم أُغيّب تحت أطباق الثرى، آه من القبر وأحواله…لم يعد خبرا نقرأ عنه ولا درسا نلقيه، فيه ترغيب وترهيب…إنه حقيقة ماثلة وحضن يستقبل العبد الضعيف الهزيل الفاني، فما هي أخباره آنذاك؟ هل سيكون روضة من رياض الجنة؟ هل يكون فيه ثباتٌ عند السؤال؟ آه من دار الوحدة والظلمة والضيق والدود…لطفك يا رب… وتصوروا معي أول ليلة في القبر: على غير العادة لا زوجة، لا أولاد، لا هاتف، لا فيسبوك، لا ثلاجة…هل سيدركني شيء من عملي الصالح القليل الذي ابتغيت به وجه ربي دون سواه؟ هل سيتذكرني أصفيائي بدعاء ينفعني، أولئك الذين ربما ذكّرتهم بالله ولو مرة واحدة؟ يعني أنتم يا أصدقائي… كم أرجو أن يكون قبري بفضل الله ورحمته دارا خيرا من داري، وفيه أهل خير من أهلي.
صدق من قال: ما رأيت شيئا إلا والقبر أبشع منه…إلا من تداركته العناية الإلهية.
هل انتهت الرحلة بعدما خرج المشيعون؟ أعلم أنها بداية الرحلة الحقيقية الحاسمة:
– عرصات الحساب: الحشر ودنوّ الشمس والعَرَق…يوم يفرّ المرء من أخيه…لا يسأل حميم حميما… الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين.
– الكتاب: هل أحمله بيميني أم بشمالي أم وراء ظهري؟ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها…وكم مرّ بي في حياتي من هفوات وغفلات وأقوال هوجاء وأعمال قبيحة نسيتها وما ينساها ذلك الكتاب.
– الميزان: لا يترك مثقال ذرة ولا حبة خردل…إنها الموازين القسط، فأي كفتيْه ترجح؟ كفة الحسنات أم كفة السيئات؟
– سؤال الله المباشر: لا وجود لوسيط ولا ترجمان، أنظر يمنة ويسرة فلا أجد إلا عملي وقدمَاي على الصراط، والصراط جسر منصوب على النار، فعلى أية حال أجتازه؟ مسرعا أم متعثرا أم ساقطا؟
– وماذا بعد؟ إنها الجنة أو النار…ولا أدري حينئذ في أي وفد يُنادَى عليّ، أمع الأبرار أم مع الفجار؟
هذا هو المصير وأنا كالغافل متشبث بالدنيا، منشغل بالسياسة، قليل الزاد من عمل الآخرة.
يا رب…
إن لم أكن أخلصت في طاعتك *** فإنني أطمع في رحمتك
وإنما يشفع لي أنني قد عشت *** لا أشرك في وحدتك
هذه حجتي القوية بين يدي ربي…عشتُ موحدا، وفقني لذكره وعبادته والدعوة إلى دينه، فهل يتقبل ذلك مني؟
وحجتي ثانية أتمسك بها…قضيت عمري أحبه سبحانه وتعالى وأحب نبيه وأصفياءه، وأرجو أن أحشر معهم وإن لم أعمل بمثل عملهم
وحجة أخيرة حسنة جميلة
يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً *** فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ
إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ *** فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُجرِمُ
أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرتَ تَضَرُّعا *** فَإِذا رَدَدتَ يَدي فَمَن ذا يَرحَمُ
ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا الرَجا *** وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ