وراء الأحداث

هل تريد السعودية حكومة علمانية في العقد المقبل… ؟!/ عبد الحميد عبدوس

 

 

عجيب وحزين ما يجري في هذا العالم العربي الممتد الأرجاء والممزق الأوصال، قبل بضعة أيام نقلت وسائل الإعلام تصريحا مثيرا لسفير دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، يوسف العتيبة طرح فيه تصوره لمستقبل حكومات دول عربية في الشرق الأوسط خلال العقد القادم، ولم يكتفِ العتيبة في لقائه مع قناة “بي بي إس PBS ” الأمريكية بالتحدث باسم بلاده، عما تريده لحكومتها بعد عشر سنوات بل إنه تطوع للحديث باسم كل من السعودية والبحرين ومصر والأردن.

وأكد في حديثه إن الخلاف مع دولة قطر ليس دبلوماسياً بقدر ما هو خلاف فلسفي قائلا: “ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط بعد عشر سنوات، هو حكومات علمانية مستقرة ومزدهرة، وذلك يتعارض مع ما تريده دولة قطر…خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، دعمت قطر جماعات مثل الإخوان المسلمين وحماس وطالبان، وجماعات مسلحة في سوريا وليبيا، وذلك الدعم هو عكس الوجهة التي تعتقد الدول الخمس أن المنطقة بحاجة إلى الاتجاه إليها في السنوات المقبلة”.

ربما لا يسبب تصريح السفير الإماراتي حول التطلع إلى إقامة دولة علمانية في العقد المقبل حرجا كبيرا لدولة الإمارات العربية المتحدة التي أصبحت ترى أن الخطر الأكبر على المنطقة هو وجود تنظيم ( الإخوان المسلمين)  فدولة الإمارات العربية المتحدة تحت تأثيره رجلها القوي محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد إمارة أبو ظبي، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، تشن حربا عالمية ضد جماعة الإخوان المسلمين أو ما تسميه (الإسلام السياسي). حتى أن السفير البريطاني السابق في الإمارات السير جون جينكز قال: ” إن ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد قد يكون أكثر من يكره الإخوان المسلمين في العالم”.

وإذا كان السفير الإماراتي في واشنطن قد أبدى اللوم على قطر  لدعمها: ” جماعات مثل الإخوان المسلمين وحماس وطالبان، وجماعات مسلحة في سوريا وليبيا”، فإن الإمارات المتحدة قد قامت بدورها بدعم القيادي السابق في حركة فتح الفلسطينية العقيد محمد دحلان في صراعه مع حكومة حماس في قطاع غزة، ودعم انقلاب وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب في مصر الدكتور محمد مرسي، ودعمت اللواء المتقاعد خليفة حفتر  في صراعه مع حكومة الوفاق الوطني، ودعمت حركة نداء تونس ضد حكومة الترويكا التونسية، ودعمت المحاولة الانقلابية الفاشلة التي اتهم فتح الله غولن بتدبيرها ضد الحكومة التركية المنتخبة بقيادة الرئيس رجب الطيب أردوغان، ودعمت وما زالت تدعم هاني بن بريك قائد ميليشيا (الحزام الأمني) في مدينة عدن – عاصمة البلاد المؤقتة – وغيرها من الحكومات والحركات والشخصيات المعادية للإخوان المسلمين.

كما  أن الحديث عن حكومة علمانية قد يكون أقل إحراجا للسلطات المصرية التي تخوض صراعا متواصلا ضد الإخوان المسلمين، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للمملكة الأردنية الهاشمية ومملكة البحرين اللتين تنص لمادة 2 من دستوريهما على ” أن دين الدولة الإسلام، واللغة الرسمية هي اللغة العربية”، ويضيف دستور البحرين في نفس المادة ” الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع”، غير أن حشر المملكة العربية السعودية بهذه الصراحة الواردة في حديث السفير الإماراتي يوسف العتيبة في خانة الدول التي تريد في العشر سنوات المقبلة “حكومة علمانية مستقرة ومزدهرة” يعتبر بمثابة قنبلة سياسية أو ربما إساءة مبطنة للسلطات السعودية اللهم إلا إذا أصبحت المفردات قد فقدت معانيها ودخلنا في عصر فوضى المصطلحات

قبل حوالي ثلاث سنوات من تصريح السفير الإماراتي في واشنطن، كتب عبد الرحمن الخطيب في جريدة (الحياة) الصادرة في لندن والممولة من طرف السعودية ما يلي:

” بعد صدور قرار وزارة الداخلية في المملكة بتجريم من ينتسب إلى بعض الأحزاب أو التيارات الإسلامية، ظن بعضهم أن المملكة ستتجه إلى أن تكون دولة علمانية، وأن الموجة مع مراكبهم. ففرحوا، وهللوا، وطبلوا، وزمروا، ورفعوا عقيرتهم، وبروا أقلامهم، تماهياً مع تلك الموجة. منهم من نادى بفصل الدين عن الدولة. وبعضهم تجرأ وطالب بصياغة دستور جديد وعصري للمملكة، وأن يكون مجلس الشورى منتخباً بالكلية، وقراراته ملزمة، وله سلطة تعيين وخلع أصحاب المناصب العليا. وذهب بعضهم إلى المطالبة بملكية دستورية… .بادئ ذي بدء يجب أن يُدرَك أن من ينحو هذا المنحى قد جانب الصواب تماماً، فالمملكة لها خصوصية معينة لا تقارن بأي دولة أخرى في العالم، ففيها بيت الله المعظم، قبلة المسلمين جميعاً على وجه الأرض، وهو مأوى الأفئدة، وأرض المشاعر المقدسة، ومركز القداسة والطهر، ومنذ أسس الرسول – صلى الله عليه وسلم – دولته في المدينة كان دستور تلك الدولة الإسلام، وتوارث الخلفاء والحكام بعده على أرضها منهجية سياسة الدولة الإسلامية، لعظم منزلة الحرمين الشريفين فيها. وقد نهجت المملكة في المادة الأولى من دستورها ونظام حكمها المنهج الإسلامي نفسه في جميع مناحي تعاملاتها مع مواطنيها ومؤسساتها، وعلَمها الذي لا ينكس أبداً مدبج فيه راية التوحيد، كما النظام الأساسي للحكم فيها لا نظير له في جميع بلاد العرب والمسلمين.

ثم أقول، رداً على من حاول أن يغمغم الأمر، ويدغم العلمانية مع شرع الله، ويُلبِس على الناس: إن العلمانية والإسلام نقيضان، ولا يمكن أن يجتمعا في شخص واحد، والسيادة في الإسلام لله وحده، من دون سواه.”

كما أفتى كبار العلماء في السعودية بتعارض العلمانية مع الدين الإسلامي .  وقال الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، عضوُ هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية: « العَلمانية كُفرٌ. والعَلمانيةُ يقُولون: هي فصلُ الدِّين عن الدَّولة، يقولون: الدين في المساجِد فقط، وأمّا في المعامَلات وفي الـحُكم فليسَ للدِّين دخل، هذهِ العلمانية: فصلُ الدين عن الدَّولة، فالذي يعتقِدُ هذا الاعتقادَ كافِرٌ؛ الذي يعتقِد أن الدِّين ما لهُ دخلٌ في المعاملات، ولا له دخلٌ في الحُكم، ولا له دخلٌ في السياسة، وإنما هو محصورٌ في المساجِدِ فقط، وفي العبادة فقط، هذا لا شك أنه كُفرٌ وإلحاد. أما إنسانٌ يصدر منه بعض الأخطاء ولا يعتقدُ هذا الاعتقادَ هذا يُعتبر عاصيًا ولا يُعتبر علمانيًّا، هذا يُعتبَر من العصاة”.

واليوم يعتبر صمت السلطات السعودية تجاه تصريح السفير الإماراتي يطرح أكثر من علامة استفهام، وباستثناء موجة من الغضب وحتى السخرية التي أثارتها تصريحات يوسف العتيبة بين المواطنين السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تعليقات غاضبة من بعض أفراد العائلة السعودية المالكة ومنهم الأميرة فهدة بنت سعود، ابنة الملك سعود بن عبد العزيز والتي انتقدت صمت الإعلام الرسمي السعودي على تصريحات العتيبة، قائلة إنها تمس “الدين والوطن”. فهل تريد السلطات أن “تتجمل” في أعين الغرب بالسكوت على تصريحات تغضب الشعب السعودي؟

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com