تفاءلوا خيرا تجدوه/ أ.أمينة فداني
قال تعالى في سورة الحج، الآية 11:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}. إن قوة الصلة بالله سبحانه وتعالى من ألزم الأمور في المشوار الحياتي للإنسان، تساعده على مشاق الطريق ومزالقه، فالجدير به أن يكون واثقا مطمئنا في مراحل حياته، ولا يجوز له أن يترك نفسه عرضة لعدم الأمل، وسلامة المسلك لكي لا يتعرض للضياع والتيه، فالأمل كالبذرة إذا زرعتها أينعت، وإذا سقيتها نمت، وإذا رعيتها أثمرت، فأول الغيث قطرة.
إن التفاؤل من أعظم عناصر القوة في تكوين الشخص، وهو عنصر معنوي فعال ومهم، فالسعي والعمل عبادة، وبواعث الأمل أكبر من عوامل اليأس والقنوط، فاسع لشحن بطاريتك بالأمل الواعد فستجده، فلما تذكر جوانب الضعف لا تنس مصادر القوة المكمونة بداخلك، وإذا ذكرت عوامل اليأس لا تغفل بواعث الأمل، فلا تطيل عليك الليل، فبوادر النور لائحة، قال المصلح جمال الدين الأفغاني رحمه الله:”بالضغط والتضييق تلتحم الأجزاء المبعثرة”.
إن بناء صرح المجتمع الرائد الذي تنشده الأمة لا يعرف اليأس طريقا لقلبه، فالإنسان يمثل قيمة اقتصادية وثقافية هائلة، فهو بذلك ثروة دائمة للوطن، فلابد أن لا تكون هذه النعم مهملة في المجتمع، فالبنيان ليس أهم من بانيه، فنعم للأمل، ولا لليأس، فبعون الله نستطيع.
إن الثقة في النفس أساس النجاح، فإذا عرفت موطن الداء فاصبر على آلام العلاج.
إن تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مثال يقتدى به في إعطاء شعلة الأمل حقها، فمنذ أن غرس العلامة ابن باديس بذرة للإصلاح سنة 1913م إلى أن أينعت ونمت، وخرجت إلى النور سنة 1931م. كانت بحق أمل الأمة، وأثناء المسيرة المباركة للجمعية صادفتها عراقيل ومعوقات جمّة، ومع ذلك تفاءلت خيرا، واستطاع رجالها العبور بالمشروع للمستقبل المنشود.
ذكر الأستاذ الباحث جيلاني ضيف في كتابه ابن باديس المحرر الصفحة 177 أن سنة 1938 تعرضت الجمعية لأزمات داخلية، ومواجهات عديدة مع الإدارة الفرنسية في الجزائر، حيث منعت الأناشيد الوطنية، كما صدر مرسوم يوم 13 جانفي من نفس السنة بفرض رقابة مشددة على نوادي الجمعية، ومنعها من أي نشاط إلا برخصة، كما صدر مرسوم آخر في 08 مارس من نفس السنة بعدم السماح لأي معلم بفتح مدرسة إلا بإذن الإدارة الوصية، وقد اعتبر ابن باديس هذا اليوم الذي صدر فيه هذا المرسوم أكبر يوم مشئوم في تاريخ الإسلام بالجزائر، ولم يقتصر على هذا الأمر، بل صدر مرسوم آخر يوم 27 أوت 1939م يقتضي بمصادرة جميع جرائدها، فهو بذلك القضاء النهائي على الطموح المشروع، رغم هذا لم تستسلم رجالات الجمعية، وبقيت متفائلة بأن الفرج في الأفق قادم، فهم على كل شيء نابع وليس تابع.
إن الكلام عن ابن باديس يعني العودة بذاكرة هذا الشعب الأبي لاستجلاء سيرة الأسلاف، ومواقفهم القويمة، فهو من المصلحين القلائل الذين أزاحوا عن شعوبهم ضبابية الجهل والأمية المتفشية.
فبالأمل نحمل شعلة نور نصلح بها أنفسنا، وننير بها درب غيرنا، ففاقده لا يستطيع أن يحمي نفسه، وهذا راجع لتكاثر وتعدد الظواهر والإحباطات النفسية، الصراعات الداخلية، ضغط الشدة، الأقربين، البيئة، الخوف على الرزق، وغيرها كثير، حيث يتحول إلى لقمة صائغة يمكن هضمها دون عناء.
إلى كل من كانت في قلبه ذرة يأس في وطني، فتفاءل خيرا تجده، فالحياة بذل وعطاء، فالتزم العقلانية والموضوعية، وانظر إلى من حولك، ستجد أنه لا مجال لليأس، فمن العزلة إلى المشاركة والاحتكاك بالآخرين، فإنه يقع على عاتقك المساعدة في تنمية الوطن، والعبور به إلى مرحلة التقدم، إنها معركة التفاؤل، ولكل فرس كبوة، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
قال شاعر المهجر إليا أبو ماضي في فسحة الأمل:
هُوَ عِبءٌ عَلى الحَياةِ ثَقيلٌ
مَن يَظُنُّ الحَياةَ عِبئًا ثَقيلا
وَالَّذي نَفسُهُ بِغَيرِ جَمالٍ
لا يَرى في الوُجودِ شَيئاً جَميلا
فَتَمَتَّع بِالصُبحِ ما دُمتَ فيهِ
لا تَخَف أَن يَزولَ حَتّى يَزولا
أَيُّهَا الشاكي وَما بِكَ داءٌ
كُن جَميلاً تَرَ الوُجودَ جَميلا