في ذكرى حريق المسجد الأقصى المبارك/ يوسف جمعة سلامة
تمرّ بنا في هذه الأيام الذكرى الخمسون لإحراق المسجد الأقصى المبارك، والتي وافقت يوم الأربعاء الماضي الحادي والعشرين من شهر أغسطس(آب) من كل عام، حيث امتدت الأيدي المجرمة إلي المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين بالنسبة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فقد تعرض المسجد الأقصى المبارك للحريق المشؤوم في 21/8/1969م وأصبح منبر البطل صلاح الدين أثراً بعد عين، وأتت النيران على مساحات شاسعة من المسجد القبلي.
المسجد الأقصى شقيق المسجد الحرام
لقد ربط الله سبحانه وتعالى بين المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد الأقصى بالقدس في الآية الأولى من سورة الإسراء كما جاء في قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وذلك حتى لا يفصل المسلم بين هذين المسجدين، ولا يُفرّط في أحدهما، فإنه إذا فرّط في أحدهما أوشك أن يُفرّط في الآخر، فالمسجد الأقصى ثاني مسجدٍ وُضع لعبادة الله في الأرض كما رُوي عن أبي ذرٍ الغفاري – رضي الله عنه – قال: قلْتُ يَا رَسُولَ الله: أَيُّ مَسْجد وُضعَ في الأرْضِ أوَّل؟ قَالَ:”اَلْمسجِدُ الْحَرَامُ“، قَالَ: قُلْتَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ:”اَلْمَسجِدُ الأقْصَى“، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً“.
ومن المعلوم أن الإسراء كان من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بالقدس؛ لِمَا شَرّفه الله تعالى به من بعثات الأنبياء السابقين، وزيارات الرسل الكرام جميعاً له، ولإقامة أكثرهم حوله، وصلاتهم جميعاً فيه، وقد بارك الله -سبحانه وتعالى- البلاد التي حوله، فالمسجد الأقصى والمسجد الحرام شقيقان كما ورد في صدر سورة الإسراء، فارتباط المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالأقصى والقدس وفلسطين هو ارتباط عقدي، وليس ارتباطاً انفعالياً عابراً ولا موسمياً مؤقتاً؛ لأن حادثة الإسراء من المعجزات والمعجزات جزء من العقيدة الإسلامية، والله سبحانه وتعالى جمع الأنبياء والمرسلين –عليهم الصلاة والسلام- في المسجد الأقصى المبارك، حيث صَلَّى بهم رسولنا -صلى الله عليه وسلم- إماماً في ليلة الإسراء والمعراج، فالمسجد الأقصى المبارك الذي تبلغ مساحته (144 دونمًا) هو مسجد إسلامي فوق الأرض وتحت الأرض وليس لغير المسلمين حق فيه.
ومن الجدير بالذكر أن العرب والمسلمين قد أولوا المدينة المقدسة عناية كبيرة عبر التاريخ، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يخرج من الجزيرة العربية إلا إلى القدس في رحلة الإسراء والمعراج، كما أن سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي فُتحت في عهده مصر ودمشق وبغداد، لم يذهب لاستلام مفاتيح أية عاصمة، وإنما جاء إلى القدس في إشارة منه –رضي الله عنه- إلى مكانة المدينة في عقيدة الأمة، كما جاءها مئات الصحابة الكرام – رضي الله عنهم أجمعين-.
الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى والقدس
إن ذكرى حريق المسجد الأقصى المبارك تتزامن مع الهجمة الشرسة التي تتعرض لها مدينة القدس بصفة عامة والمسجد الأقصى بصفة خاصة، حيث تتعرض المدينة المقدسة لمحنة من أشد المحن وأخطرها، فالمؤسسات فيها تُغلق، والشخصيات الوطنية تُلاحق، والبيوت تُهدم، والأرض تُنهب، والهويات تُسحب، والحفريات تلتهم الأرض، وكل معلم عربي يتعرض لخطر الإبادة والتهويد، والعالم وللأسف يُغلق عينيه، ويصمّ أُذنيه عما يجري في مدينة القدس.
إن الاعتداءات الإسرائيلية والاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى المبارك تشكل حلقة من المخطط الاحتلالي المتطرف لتهويد المدينة المقدسة، وفرض السيادة الإسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك من خلال محاولة تقسيمه زمانيًا ومكانيًا تمهيدًا لإقامة ما يُسمى بالهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك لا سمح الله.
إن سياسة التهويد التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وصلت إلى قلب المسجد الأقصى المبارك، وهى ماضية في تهويد المسجد الأقصى، بحفر الأنفاق أسفله في ظل تعتيم إعلامي كبير، إلا أنها في الفترة الأخيرة أصبحت تُجاهر في تهويدها للمسجد الأقصى المبارك، غير آبهة بالمجتمع الدولي ولا بقراراته، ونحن هنا نؤكد على أن المسجد الأقصى المبارك بساحاته وأروقته وقبابه ومصاطبه وأسواره وكل جزء فيه هو حقٌ خالصٌ للمسلمين وحدهم، وليس لغير المسلمين حق فيه.
كما نؤكد على أن المحاولات الإسرائيلية لفرض أمرٍ واقع في المسجد الأقصى المبارك لن تنجح إن شاء الله في تغيير الحقائق وطمس المعالم والمقدسات الإسلامية في المدينة المقدسة.
تحية إكبار للمقدسيين
إننا نوجه تحية إكبار وإجلال لأهلنا المقدسيين وسدنة الأقصى وحراسه وللمرابطين داخل المسجد الأقصى المبارك وفلسطينيي الداخل، على وقفتهم المشرفة وصمودهم وتصديهم الدائم لقطعان المستوطنين ودفاعهم الدائم عن المسجد الأقصى المبارك والمدينة المقدسة، حيث إنهم يتصدون لهم بشتى الوسائل الممكنة دفاعاً عن مسرى النبي –صلى الله عليه وسلم، وهذا يؤكد ما طالبنا به مراراً وهو ضرورة دعم المقدسيين الذين يشكلون خط الدفاع الأول عن الأقصى والقدس.
كما نشيد بتمسكهم الدائم بالدفاع عن أقصاهم ومقدساتهم وتصديهم لمخططات الاحتلال الإسرائيلي، فشعبنا الفلسطيني– والحمد لله – لا يزال يُثبت في كل يوم بسالةً وقوة وتضحية في دفاع منقطع النظير عن أرض فلسطين المباركة، وما هبة صلاة عيد الأضحى المبارك صباح أول أيام العيد ومنع الاقتحام الجماعي للمستوطنين إلا دليل على ذلك، فهذه الهبّة المُشرّفة تُضاف إلى سجل الصفحات المشرقة لنضالات شعبنا عبر التاريخ، وما إجبارهم لسلطات الاحتلال الإسرائيلي على إزالة البوابات الإلكترونية والكاميرات الخفية وإعادة فتح أبواب المسجد الأقصى عام 2017م عنا ببعيد، كما لا ننسى هبة المقدسيين في شهر فبراير الماضي بفتح مُصَلَّى باب الرحمة، فقد علّموا المحتل درساً بأن إجراءاته الظالمة لن تمرّ على شعبنا الفلسطيني ولن يوافق عليها إطلاقا، حيث إن المسجد الأقصى المبارك الذي تبلغ مساحته (144) دونمًا بساحاته وأروقته وكل جزء فيه سواء أكان فوق الأرض أم تحتها هو حق خالص للمسلمين وحدهم، وليس لغير المسلمين حق فيه.
نداء إلى الأمتين العربية والإسلامية
إن مسئولية الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك ليست مسئولية الشعب الفلسطيني وحده وإن كان هو رأس الحربة، فهو الشعب الذي منحه الله عزَّ وجل شرف المرابطة في هذه البلاد كما جاء في الحديث:(لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأَوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ)، بل إنها مسئولية العرب والمسلمين جميعاً في مساندة هذا الشعب، والوقوف بجانبه ودعمه للمحافظة على أرضه ومقدساته.
إننا نطالب أبناء الأمتين العربية والإسلامية ألا ينسوا مسرى نبيهم محمد – صلى الله عليه وسلم- ومدينة القدس، كما ندعوهم لضرورة العمل على المحافظة عليها وحماية مقدساتها لأنها جزء من عقيدتهم، هذه المدينة التي تتعرض يومياً لمذبحة إسرائيلية تستهدف الإنسان والتاريخ والحضارة، كما يجب عليهم مساعدة أبناء الشعب الفلسطيني ودعم المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس بكل الطرق وفي شتى المجالات، الإسكانية والصحية والتعليمية والثقافية والتجارية والشبابية وغير ذلك، من أجل المحافظة على المسجد الأقصى المبارك والمدينة المقدسة.
فالقدس تنتظر بشغف المواقف العربية والإسلامية التي تحميها من الضياع والاندثار، كما أن المسجد الأقصى المبارك يخاطب الأمة قائلاً: أدركوني قبل فوات الأوان.
أملنا في الله ثم في أمتنا كبير، فالليل مهما طال فلابُدَّ من بزوغ الفجر، وإن الفجر آت بإذن الله، ويسألونك متى هو؟! قل عسى أن يكون قريباً .
نسأل الله أن يحفظ الأقصى والمقدسات والقدس من كل سوء، وصلى الله على سيدنا محمد rوعلى آله وصحبه أجمعين.