ما قل و دل

معروف الرصافي هل هو ملحد؟/ أ. محمد الصالح الصديق

جرى ذكر الشاعر العراقي في مجلس ضم طائفة من أهل العلم والمعرفة، فقال بعضهم: إنه ملحد وحاول أن يثبت ذلك ببعض الوقائع والأحداث، وذهب آخرون إلى أنه مؤمن وحجتهم في ذلك نقول وبعض أحداث تلقطوها من بعض الكتب والصحف.

وبعد أن ثار نقاش بينهم في الموضوع كنت أتابعه باهتمام وفي صمت التفت إلي أحدهم، وقال: من الواجب الأدبي الذي تفرضه الرسالة العلمية التي حملتها أن تنزل إلى الميدان وتدخل المعركة، فقلت له:

إن غاية ما يمكن أن أذكره في هذا الموضوع هو أن الكاتب الإسلامي المعروف محي الدين سعيد البغدادي الذي اشتهر في الثلاثينيات بردوده القيمة الصارمة على المسيحيين المغرضين في مجلة (الإسلام) عثر على قصيدة اجتماعية من نظم هذا الشاعر نشرت في المجلد السادس لمجلة (المنار)، قدم لها العلامة الشيخ رشيد رضا بكلمة ثناء وتقدير، فكتب إلى الأستاذ محمد أمين هلال في شهر أغسطس سنة 1935 يسأله إذا كان الشاعر مؤمنا أو ملحدا، لأن الأبيات التي عثر عليها تنم على رسوخ العقيدة وقوة الإيمان، فأجابه بقوله:

“نحن لازلنا نجزم بأن هذا الرجل الذي اتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بما لم يخطر لعاقل على بال، وقال في القرآن ما أوحى به شيطان المال الأمريكي إليه يتزعم عصابة في بغداد تحاول أن ترفع للإلحاد منارا، وتطعن في الأديان جهارا، ونؤكد للأخ العالم الجليل بأن حرفة “حرية الرأي” التي يدعيها أولئك المبطلون إن هي إلا ثوب شفاف ينم عما تحته من كيد للإسلام وأهله سار عليه عصابة المجددين على آثار أسلافهم من القرامطة والباطنيين، وهو أن هذا الفيلسوف كفر بعد إيمانه (1).

هذا ما أمكن أن أقوله عن عقيدته، أما عنه بصفته شاعرا فأقل ما أقوله عنه أنه يعتبر أحد مشاهير شعراء النهضة الأدبية الحديثة، عمل في حقل التدريس مدة طويلة.

ويغلب على شعره الطابع السياسي والاجتماعي، مع فصاحة في البيان وبراعة في التصوير، وعمق في النظر.

ولد سنة 1877، وتوفي سنة 1945، في بيت امرأة قيل إنها خليعة فاسدة.

ومن شعره هذه القطعة في المعلم:

إذا كان جهل الناس مدعاةَ غيهم   *  فليس سوى التعليم للرشد سلَّم

فلو قيل من يستنهض الناسَ للعلى   *  إذا ساء محياهم لقلت المعلم

معلم أبناء البلاد طبيبُهم           *      يداوي سقام الجهل والجهلُ مسقم

وما هو إلا كوكب في سمائهم     *    به يهتدي الساري إلى المجد منهم

فلا تبخسنَّ حقَّ المعلم إنه        *       عظيم كحق الوالدين وأعظمُ

فإن له منك الحجا وهو جوهر   *     وللوالدين العظمُ واللحم والدم

ألا إنما تعليمنا الناسَ واجب      *     وإن على الجهّال أن يتعلموا

وما أخذ الله العهودَ على الورى    *   بأن يعلَموا حتى قضى أن يعلِّموا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- مجلة الإسلام، ع20، س4 أغسطس سنة 1935.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com