قيمة النعمة عند فقدانها/ محمد الصالح الصديق
أصابتني وعكة خفيفة في أحد الأيام، كدرت صفو حياتي، وحالت بيني وبين الكتاب والقلم، وغمرني منها قلق، وما هي إلا ساعة حتى حدثني هاتفيا المجاهد حسن يامي، رفيقي في الثورة التحريرية، يعلمني أن زوجته –وهي شقيقة زوجتي- قد دخلت المستشفى لمرض فجائي، وهي في حجرة كذا، من طابق كذا.
فأخرجت سيارتي فورا، وذهبت مع زوجتي لزيارتها، ناسيا، أو متناسيا ما الّم بي من مرض، وفي طريقنا على حجرة المريضة، مررنا بالمرضى، وهم على فرشهم، وأبواب حجراتهم مفتوحة، فسمعنا ورأينا ما يفتت الأكباد أسى وحزنا، ويكدر صفو الحياة تألما، فأخذت أعاتب نفسي على ما كان منها قبل قليل من قلق وضيق، وغم، لمجرد وعكة خفيفة ألمّت بي، وقد كنت طوال أشهر صحيحا معافى، لا أشكو من شيء، فاستغفرت الله، وطلبت منه العفو والعافية، ومرّت بذاكرتي كلمات مضيئة، خالدة في وجوب معرفة فضل الله، وهي هذه:
زر المحكمة مرة في العام لتعرف فضل الله عليك في حسن الخلق.
وزر المستشفى مرة في الشهر لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض.
وزر الحديقة مرة في الأسبوع لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة.
وزر المكتبة مرة في اليوم لتعرف فضل الله عليك في العقل.
وزر ربك كل آن لتعرف فضله عليك في نعم الحياة.
وعند عودتي إلى المنزل وجدت في انتظاري زميلا لي في الدراسة بجامع الزيتونة سنوات (48-51)، فسررت بزيارته بعد أمد طويل احتجبت عني خلاله أخباره.
ثم حدثني عن ابن له مريض منذ مدة، وهو من جراء ذلك جد مهموم، وذكر لي عن مرضه ما يثير الحزن، ويفتت الكبد، حسبنا من خطر مرضه أنه لا ينام في الليل إلا قليلا من شدة وجع رأسه، وقد عجز الأطباء عن اكتشاف مرضه.
وهكذا وجدتني أندم من أعماقي على تأثري من مجرد وعكة انتابتني، وأدركت نعمة الصحة التي أنعم بها.
وهكذا الإنسان لا يدرك ما هو فيه من نعمة الصحة حتى يفقدها، وكل نعمة يحظى بها الإنسان في هذه الأرض لا يشعر بها، ولا يدرك قيمتها إلا إذا فقدها، وما دام فيها فإنه لا يعطيها قيمتها.