العدالة تطارد الهارب خالد نزار/ عبد الحميد عبدوس
أخيرا، وبعد انتظار طويل، تحركت العدالة الجزائرية ضد اللواء المتقاعد خالد نزار، وزير الدفاع السابق، عراب العشرية السوداء الذي تمت متابعته من قبل عدة محاكم دولية .
أصدرت المحكمة العسكرية بالبليدة، يوم الثلاثاء 6 أوت الجاري، أوامر بالقبض الدولي في حق خالد نزار وابنه لطفي، مسير شركة “سمارت لينك كوم” والقائم بأعمال عائلة نزار، فريد بلحمدين مسير الشركة الجزائرية للصيدلة، والذي قام بدور الوسيط بين الجنرال نزار وسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المقال والمحبوس حاليا بسجن البليدة العسكري.
وتمت متابعة خالد نزار وابنه وفريد بلحمدين بتهمة التآمر والمساس بالنظام العمومي وهي الأفعال المنصوص والمعاقب عليها بموجب المواد 77 و 78 من قانون العقوبات والمادة 284 من قانون القضاء العسكري.
قبل حوالي أسبوعين من صدور الأمر بالقبض الدولي على خالد نزار كتب تغريدة قال فيها:” كنت على وشك العودة إلى الجزائر عندما وصلتني معلومات موثوق بها حول مشروع اعتقال تعسفي وغير عادل يستهدفني”.
ويبقى السؤال مطروحا عمن أخبر خالد نزار الهارب إلى إسبانيا عن حيثيات المتابعة القضائية التي تخصه، كما يبقى السؤال مطروحا عمن سهل هروب لطفي نزار المتهم بتهريب مبلغ مقدر بـ 300 مليون دولار إلى إسبانيا، رغم خضوعه لأمر بالمنع من مغادرة التراب الوطني.
لقد تمكن الجنرال المتقاعد خالد نزار طوال سنوات من الإفلات من قبضة العدالة، وهو الذي طالما تفاخر بمسؤوليته عن توقيف المسار الانتخابي في تسعينيات القرن الماضي، الذي انجر عنه مآسٍ وضحايا وخسائر مادية وأزمات متعددة الأشكال والمستويات.
في سنة2001 ألقت العدالة الفرنسية القبض على الجنرال خالد نزار خلال زيارة له إلى فرنسا، وجاء أمر القبض عليه بعد تلقي القضاء الفرنسي عدة شكاوى ضده من طرف منظمات حقوقية بسبب سياسة القمع والإعدامات خارج إطار القضاء التي تم انتهاجها تحت مسؤوليته بصفته وزيرا للدفاع والحاكم الفعلي للجزائر في بداية سنوات العشرية السوداء. ولم ينج خالد نزار من المتابعة القضائية في فرنسا، إلا بعد تدخل الرئيس الجزائري المقال عبد العزيز بوتفليقة الذي اتصل بالرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك طالبا منه التوسط للإفراج عن خالد نزار، وعلى إثر ذلك قامت طائرة خاصة مؤجرة من طرف الجنرال العربي بلخير الأمين العام للرئاسة آنذاك بتهريب زميله في زمرة ضباط فرنسا وشريكه في تدبير الانقلاب ضد الرئيس الشاذلي بن جديد، وتم فعلا تهريب خالد نزار ليلا من مطار بورجيه.
وبعد عشر سنوات من هروب خالد نزار من العدالة الفرنسية، ألقت السلطات السويسرية بطلب من النيابة الفدرالية القبض على الجنرال خالد نزار في مدينة جنيف، على إثر شكاوى تقدّم بها ضحايا جزائريون مقيمون في سويسرا، وكذا تقديم اتهام جنائي من طرف منظمة “ترايال” الحقوقية التي تعنى بمناهضة الإفلات من العقاب وتتبّع مجرمي الحرب .
ولأن عصابة الفساد والاستبداد التي استبدت بحكم الجزائر كانت تضع مصالح أفرادها فوق كل اعتبار، فقد احتجت الجزائر رسميا لدى السلطات السويسرية على اعتقال خالد نزار، وكلفت السفارة الجزائرية في العاصمة السويسرية بتبليغ رفضها للإجراءات المتخذة في القضاء السويسري ضد وزير الدفاع السابق، وتشجع نزار للتقدم بطعن بشأن صلاحية القضاء السويسري للنظر في القضية.
وفي جانفي 2017 قرر القضاء السويسري التخلي عن ملاحقة الجنرال خالد نزار، ولكن في شهر جوان 2018 ألغت المحكمة الفدرالية السويسرية قرار حفظ التحقيق، وأمرت النيابة العامة السويسرية بفتح القضية من جديد.
وفي شهر جوان الماضي (2019)، وبمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لاغتيال الرئيس الأسبق محمد بوضياف جدد ناصر بوضياف نجل الرئيس المغتال اتهام خالد نزار ورئيس المخابرات الأسبق محمد مدين، المدعو “توفيق”، بتدبير عملية الاغتيال وطالب بإعادة فتح القضية من جديد، وإخضاعهما للتحقيق، ومحاسبة كل المتهمين.
لقد ارتبط اسم خالد نزار على غرار بقية أفراد عصابة الفساد بقضايا تتعلق بنهب المال العام حيث يتهم بالاستفادة في سنة 2001 من قرض مقدر بـ300 مليار سنتيم لم يتم ردها للبنك، وكذلك حصوله على قطعة أرض بعشرين هكتار من أجود الأراضي في منطقة بوشاوي ببلدية الشراقة غرب العاصمة. ورغم أن الرئيس الأسبق الراحل الشاذلي بن جديد اتهم خالد نزار في مذكراته بكونه جاسوسا لفرنسا، إلا أن السنوات الذهبية في المسار المهني للجنرال خالد نزار كانت في عهد الشاذلي بن جديد الذي فضله على كثير من ضباط الجيش الوطني الشعبي، وخصوصا الضباط الذين أبلوا البلاء الحسن في صفوف جيش التحرير الوطني خلال سنوات حرب التحرير.
ففي عام 1982 رقي خالد نزار إلى رتبة جنرال وأصبح قائدا للناحية العسكرية الخامسة بقسنطينة، ثم عين قائدا للقوات البرية نائبا لرئيس أركان الجيش الوطني الشعبي في 1987. وكلف في أحداث أكتوبر 1988 بتسيير حالة الحصار، ورغم اتهامه بالمسؤولية عن قتل المتظاهرين وتعذبيهم، فقد عينه الشاذلي بن جديد في سنة 1989 قائدا لأركان الجيش خلفا للواء الراحل عبد الله بلهوشات الذي أحيل على التقاعد، ثم في 10 جويلية 1990 عينه الرئيس الشاذلي بن جديد وزيرا للدفاع في حكومة السيد مولود حمروش، وبعد عامين من هذا التعين، قاد الجنرال خالد نزار في جانفي 1992عملية انقلابية ضد ولي نعمته الرئيس الشاذلي بن جديد الذي أجبر على تسويق الإطاحة به في صيغة استقالة قدمت في مشهد تمثيلي بائس أثار استهجان الجزائريين.
خالد نزار كان دائما حريصا على تقديم مصالحه على كل أحد وعلى كل شيء، فعندما وقف أمام العدالة السويسرية، حاول التنصل من التهم الموجهة إليه في مجازر العشرية السوداء بتعليق الجرس في رقبة قائد الأركان السابق الراحل اللواء محمد العماري، وعندما افتضح في شهر ماي الماضي ( 2019) أمر تآمر العصابة والقوى غير الدستورية ضد قيادة الجيش وسلطة الدولة، حاول خالد نزار إبعاد الشبهات عن شخصه وإنقاذ رقبته بتطوعه لتقديم شهادته أمام المحكمة العسكرية حول دور السعيد بوتفليقة في حبك المؤامرة، غير أنه لما تأكد من أن يد العدالة ستطاله لا محالة، قرر الهروب إلى إسبانيا ومن هناك أخذ يشن هجوما لفظيا متواصلا على قيادة الجيش الوطني الشعبي وخصوصا ضد نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح .
والسؤال الملح هو إلى متى سيبقى عراب العشرية السوداء خالد نزار متملصا من قيضة العدالة؟