وحدة أم تفرق؟/أ.د. عمار طالبي

نحن في المغرب الإسلامي والحمد لله تجمعنا أأأواصر توحدنا جغرافيا وتاريخيا ودينيا وثقافيا، وكانت عناصر الثقافة الإسلامية الثلاثة توحد وجهتنا الدينية، وأولها الاعتقاد الأشعري الوسط، لا حرفية فيه ولا غلو في التأويل، وثانيها الفقه المالكي واجتهادات أئمته، الذين يجمعون بين النص والمعنى، بين المبنى والمقصد، ويواصلون الاجتهاد فيما يستجد من الوقائع والقضايا بحسب العصور وتطورات المجتمع وتغير القضايا بحسب العصور وتطورات المجتمع وتغير قضاياه، والثالث ما يتعلق بالجانب الروحاني الذي يترتب على العبادات وحسن المعاملات، والصلة بالله والتقرب إليه وهو ما يسمى بالحياة الروحية الإسلامية وبالتصوف، وقد اختار المغاربة أعدل هذا الاتجاه وأقربه إلى الشريعة، لابتنائه عليها بناء أصله القرآن والسنة لا مغالاة فيه، ولا بعد عن أصول الدين وفروعه، بما في ذلك التعليم، والتربية والترقية، مراقبة لله وخشيته له كأننا نراه وهو يرانا، مما يؤدي إلى التقوى والاستقامة وذلك هو طريق الجنيد رحمه الله. وقد لخصها ابن عاشور في قوله: في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك أما هؤلاء الإخوة الذي يحاولون أن يخدشوا هذه الوحدة، وتكوين فرق جديدة في مجتمعنا في التعبد بدعوى السلفية، ولكن ما هي السلفية التي يدعون إليها؟ ونحن سلفيون والإمام مالك إمام دار الهجرة سلفي، يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: خير القرون قرني ثم الذي يلونهم ثم الذين يلونهم، والإمام مالك أخذ من القرن الأول إذ ولد سنة 93هـ، وتوفي في أواخر السنة الثانية للهجرة، فهو ضمن خير القرن الأول والثاني، وكان ابن تيمية رحمه الله يثني على الإمام مالك أيما ثناء، والسلفية التي دعا إليها شيخ الإسلام ابن تيمية اجتهادا منه في تحديدها مذهبا يدعو إليه في عصر مضطرب، جنح فيه العالم الإسلامي في القرن السابع والثامن إلى الانحطاط، وهجوم الأعداء عليه كالتتار، فأراد أن يجدد الدعوة إلى السلفية حسب اجتهاده، وله ذلك وهو مأجور، ولكن أن يدعي مدعون أنه الحق، ومن عداه على الباطل، فهذا أمر غير مقبول، لأنه لا ينبغي التنازع في الأمور الاجتهادية فليس ابن تيمية معصوما، ولا الإمام مالك معصوما، وإنما هي اجتهادات، يمكن للمسلم أن يقلد أي اجتهاد فهو حر في اختياره، ولكن أن يدعو له على أنه الحق وحده، ويشق وحدة المجتمع الجزائري، ويحدث ذبذبة، في المساجد، مما يؤدي إلى الدعوة إلى تكوين فرق أخرى، وتقسيم وحدة المجتمع، وإخواننا السلفية في المشرق لا يقبلون بأي حال بأن يدعو أحد إلى غير المذهب الحنبلي، ولهم الحق في ذلك حفاظا على الوحدة الاجتماعية الدينية، ولكن، لا يجوز معاداة مذهب، والاستنقاص منه ومن اجتهادات أصحابه ما دام يستند في ذلك كله إلى الكتاب والسنة، ويسلك منهجا صحيحا في فهم هذه النصوص فهما على أساس أن القرآن وحدة متكاملة، لا يقطع منه ما يؤيد، ويترك النظر إليه باعتباره وحدة وكذلك العمل إزاء السنة النبوية.
وما يعانيه العالم الإسلامي اليوم من تشتت، وطائفية ومذهبية، لا يجوز أن نزيد النار وقودا، والشتات تشتيتا، واليوم يحسن بنا أن لا يعادي بعضنا بعضا أو يكفر أو يبدع كفانا، كفانا، كفانا.
وقد حاول بعض الشياطين من الإنس أن يفرقوا في بلادنا بين المالكية والإباضية، ولكن تصدى المخلصون من مجتمعنا، ومن السلطة لهذا وأطفأوا ناره، والحمد لله، ولكن نرى بعض إخواننا في ليبيا يرتكبون خطأ فادحا، وانحرافا واضحا في تكفير الإباضية، وإبعادهم عن الأمة في ليبيا وهم مكوّن أساسي من الشعب الليبي، ولا يوجد في مذهبهم الاعتقادي ولا الفقهي، ما يبرر هذا التكفير الظالم الذي دعا إليه أهل السياسة الفاسدة المفسدة لأغراض الاستيلاء على السلطة، وإبعاد كل من شم منه رائحة المعارضة، وهذه الفتاوى وأمثالها كفتوى المدخلي في قتل المسلمين وسفك دمائهم في الجزائر وليبيا تفسد الدين بالسياسة، وتفسد السياسة بالدين، وتشتت المجتمع أكثر مما هو مشتت، وسبب ذلك الجهل، والانكباب على التاريخ القديم، والنزاع القديم الذي ذهب وخلت جماعاته فلها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، كما يفعل إخواننا الشيعة اليوم في المناداة: لبيك يا علي لبيك يا حسين، كأن الإمام عليا كرم الله وجهه والإمام الحسين رضي الله عنه يدعوان إلى قتل المسلمين، وسفك دمائهم، حاشاهما حاشاهما، حاشاهما، أن يأمرا بذلك.
ولكن الغلاة من الأتباع يخالفون تعاليم الأئمة كالإمام جعفر الصادق رضي الله عنه وغيره من أئمة المسلمين التقاة، النقاة، الهداة.
وها إننا نرى اليوم كيف يقتل بعض اللبنانيين إخوانهم السوريين وهم لاجئون عندهم، فرارا من القتل، فعمد هؤلاء من حزب الله، ومن غيرهم إلى تعذيبهم، وسفك دمائهم ظلما وعدوانا وتشميتا مع الطائفية المقيتة البشعة، وتناسيا لما يجمع المسلمين من أصول لا تفرق، فهذه بلية كبرى وأيُّ بلية.