حينما يكون التغيير من داخل النفس/ محمد الصالح الصديق
في زيارة إلى مسقط رأسي في منطقة القبائل، زارني شخص في بيت والدي فحدثني عن جار له بما يندى له الجبين، وقال عنه أن حديثه فجر، وخلقه شيء، وسلوكه لا يبوئه إلا مكانا بين مشاهير السقاط الأراذل، الذين يعدون في هذه الحياة عللا وأسقاما.وقال الشيخ في خلاصة كلامه عن هذا الجار السيء إنه بكلمة جامعة فتاكة ووباء دونه وباء السيدا والسرطان.
كان لقائي مع هذا الشيخ في أوائل الثمانينيات، وفي هذا الشهر جوان 2013، زرت القرية التي ولدت فيها، على عادتي كل عام، وقضيت يوما في بيت والدي، حيث زارني الشيخ وقد بلغ التسعين وتحدث عن مشاكل وقضايا مختلفة، إلا جاره السيء فإنه لم يذكره، ولما سألته عنه، ظانا أنه قد مات أو هاجر فارتاح منه ومن شروره، أغمض عينيه وبدا كأنه غارق في تأمل باطني عميق، ثم رفع رأسه وزم على شفتيه وحلب ريقه، ثم نظر إلي قائلا في صوت كأنه رجفة قلب: سبحان مغير الأحوال، لقد تغير الرجل جذريا، وأصبح خلقا جديدا، أقل ما يقال عنه أنه انفلت من الشيطان بعد أن ضمه إليه بقوة وأصبح لا يتحرك إلا بأمره.
لقد أصبحت كلمته طيبة هادية، وخلقه حسنا وفيا، وسلوكه قويما، وعمله صالحا، وأصبح في القرية كلها مثارا للإعجاي والرضى والتقدير.
ولما سألته عن سر هذا التحول العجيب، قال: إذا كان هناك من سبب، فهو موت ابنه الوحيد في حادث سيارةـ فقد حزن عليه حزنا شديدا، واعتزل الناس أياما ثم كان هذا التحول.
ثم صمت قائلا: ويقال أيضا أنه قرأ أيام هذا الحزن كتابا عن القرآن الكريم مكتوبا باللغة الفرنسية.
وكان الشيخ شديد التعجب بما وقع للرجل من التحول الجذري من وضع إلى وضع، فقلت له: لا تعجب غن الإيمان قبس من نور الله، إذا اشتعل في الأعماق استنارت به النفس، وأشرقت بضياء الحب، وزالت الغشاوة عن الأعين، والقيود عن الأرجل، واتضحت الرؤية، وبانت المعالم، وانطلق الانسان على الجادة القويمة يبني الحياة، ويصنع التاريخ.
وهذا الرجل لما ابتلاه الله في وحيده عاد إلى نفسه، وقلب حياته على جوانب مختلفة، وأدرك أن ما هو فيه، لا يفضي به إلا إلى أوخم العواقب.
إن ما يحدث لبعض الناس في لحظات قصار، هي لحظات العناية الإلهية، يثير العجب بحق، ويدعو إلى العظة والاعتبار.
إن الرجل كان مصدر شقاء لجيرانه بالخصوص، ولما تغيرت أخلاقه اصبح مصدر سعادة.
ومن هنا فبناء الإنسان خير بناء حتى يكون كالدواء الشافي للعلل، والنور المبدد للظلام، يجب أن يكون الغاية من بناء المدارس والمعاهد والمساجد، ومن كل المعلمين والمصلحين والمربين.
والمدارس التي لا تُخرج ّإلا آكلي الخبز، والمتنافسين في اللهو واللعب الأحرى بها أن تغلق أبوابها.
في استطاعتنا أن نبني إنسانا قوي الإيمان، عالي الأخلاق، قويم السلوك، الذي يملك القدرة الكافية على تغيير النفوس، وإعدادها للتغيير، فهذا هو الصعب العسير.الذي يحب أن تتنافس في تحقيقه الأمم والجماعات.