الصراحة نجاة وراحة

بقلم: د. عمار طالبي
هل نرضى بأصوات مشبوهة ودعوات مضللة؟ نسمع كثيرا من المحللين والإعلاميين يتكلمون في أمر واقع الحراك، وكيفية الخروج من هذه الأزمة لأن ما نشاهده فرصة تاريخية ذات أهمية بالغة في فتح آفاق جديدة، وصياغة مجتمع جديد، وسياسة تقود الشعب في طريق الحضارة.
بعض هذه الأصوات ثرثرة كلامية لا معنى لها ولا جدوى، وبعض هذه التحليلات موضوعي، وينحو نحو السداد على أساس علمي، وبناء على معطيات واقعية دون خلفيات أيديولوجية ولا ارتباط بخلفيات خارجية ولا مدّ اليد إلى مال جرّه إليه طمعه وتبعيته لأسياده الذين يأتمر بأمرهم، ولا يعصي لهم أمرا، ولا يزال هؤلاء يقبعون في وطننا، ويخدمون أوطانا أجنبية سولت لهم أنفسهم الخيانة، فرسخت في قلوبهم، وما يبرحون يندسون في أوساطنا، لكن بعض هذه الأصوات التي تركب الموجة بخلفيات مشبوهة، لا تخفى، وناطقة بما يدل على هذه الخلفيات ومن هؤلاء من يدافع على المفسدين المسجونين ويسميهم بغير اسمهم، يسميهم سجناء الرأي تضليلا وإيهاما، ويظن أن هذا يخفى على العقلاء من الناس، وهذا الدفاع الفرنسي عن السيدة حنون، وهي لا تستحق أن نصفها بالسيدة، لأنها فقدت كرامتها بالتعاون مع الأجانب، وسعيها المشبوه إلى بلد أوروبي للتآمر على الجزائر، وصلتها بالجنرال توفيق معلومة، وها هي اليوم معه في السجن لمحاكمة هذه العصابة التي عزمت على التآمر على الجيش والإطاحة بقيادته، بقيادة تستجيب لمطامعهم في أخذ السلطة، والاستمرار في سياسة التآمر والفساد.
وبعض أفراد لجنة الحوار التي يندس فيها بعض هؤلاء المشبوهين عبر بوضوح عن ارتباطه بمن له ملفات ثقيلة أمام المحاكم، فكيف يشترط إطلاق المسجونين المفسدين من أجل البقاء في اللجنة؟ من أين له أن يحكم ببراءتهم وهم أمام المحاكم؟
ودعوى مضايقة الأمن للحراك دعوى مضللة لأن الأمن هو من يحافظ على سلامة الحراك من أن يتسرب إلى صفوفه لبث الفوضى، كما ثبت الإمساك ببعض المسلحين الذين أرسلوا لإفساد الحراك، ولسفك الدماء – لا قدر الله- ، ونصبح في وضع نشاهده في بلدان عربية وبعضها مجاور لنا.
إن الأمن لم يقتل أحدا، ولم يمنع المسيرات ولم ينكر عليها التظاهر، وإنما كان يمنع بعض العناصر المعروفة الذين يأتون من ولايات أخرى ليندسوا في الحراك بشعارات وأعلام غير العلم الوطني، فكيف يتسامح الأمن مع من يمزق العلم الوطني، أو ينادي بالفيديرالية لتقسيم البلاد، وتشتيت الأمة؟ لذلك نادى الحراك ضد أي عرقية تفرق بين العرب والبربر.
وهذا العلم الذي يرفع أحيانا يرمز إلى قسمة الأمة، ونحن نرى هذا العلم نفسه في جيش حفتر الخائن لوطنه التابع لدول تمده بالمال والسلاح ليستولي على الحكم في ليبيا الشقيقة، وليكون تابعا لهذه الدول، وذيلا لها يأتمر بأمرهم، ويبيع لهم مصير هذا الوطن العربي المسلم، وطن عمر المختار وغيره من أبطاله الأحرار الذين دافعوا عن حريته وكرامته بكل شجاعة نادرة.
إن الدكتاتورية العسكرية بلاء قام به في ليبيا القذافي فدمر الدولة، وأهلك ثروة الأمة، فذهب ولم يترك دولة، فأصبح الشعب في فوضى وما يزال يعاني من هذا الفراغ والفوضى إلى يومنا هذا، ويريد حفتر الاستمرار في هذا الطريق الفاسد، والشعب الجزائري لا يقبل حكم العسكر.
إن هذه الأصوات المشبوهة تريد أن تعود بنا إلى الصفر، وأن تمحو كل مؤسسات الدولة الدستورية، لنصبح في ظلام وفي المجهول، ولتتمكن من تنفيذ مؤامراتها على الشعب الجزائري بدعوى المجلس التأسيسي أو الجمهورية الثانية.
فهؤلاء لابد من أن نكون صرحاء لردعهم، وإلا فإن مؤامراتهم تنتشر، ولا يتفطن إليها الحراك وتركب موجته، وتنطق بشعاره ومطالبه في كلمات تنفلت من أفواههم وما تخفي صدروهم أكبر، وهذا مظهر من مظاهر النفاق السياسي، والتآمر على المخلصين لهذا الوطن، أن يتركوا هذه الأصوات المضللة تعلو، وتخدع الناس وتخدم مصالح النظام القديم الفاسد، ورجال الأعمال المفسدين، والنظام الأجنبي.
ونحن نحمد الله على أن قيادة الجيش الوطني المسؤول على حماية الوطن دستوريا، متفطن وعلى علم بما يدبره هؤلاء من مؤامرات تضر بالوطن. إن السفينة لا تعبر إلى مرسى النجاة إلا بفكرة محورية ديمقراطية هي الانتخاب الحر.