لحنة الحوار إلى أين؟
بقلم: التهامي مجوري
الأصل في لجنة الحوار أنها مجموعة تقنية، تقوم باستقراء الساحة السياسية والاجتماعية، عبر الاتصالات واللقاءات مع الهيئات والشخصيات والتنظيمات الحزبية والجمعوية والأكاديميين…، للملمة القواسم المشتركة التي يتفق عليها الجزائريون، بحيث يمكن أن تتحول هذه القواسم إلى أرضية للإنطلاق في الترتيب للجزائر الجديدة التي يتطلع إليها أبناء الحراك.
وحتى تكون هذه اللجنة في مستوى المهمة التي تسند إليها، لابد من أن تتوفر على شروط ضرورية لإنجاح مهمتها؛ لأن الشعب والنخب ينظرون إلى مستوى هذه التشكيلة ومدى قدرتها على تحقيق المطلوب، بناء على مستوى أعضائها المعرفي مستوى خبرتهم الميدانية، ومستوى صدقيتهم في مسارهم العلمي والنضالي السياسي والنقابي والجمعوي…إلخ، أكثر مما ينظرون إلى صدق نية أفرادها وصلاحهم في أنفسهم، وربما كانوا صالحين في أنفسهم، ومن ذوي الأخلاق العالية، ولكنهم لا يصلحون للمهمة.
وإذا لم تتوفر هذه الشروط الموضوعية، فإن مصير هذه اللجنة هو الاضطراب والانتقال من الشروع في عملية الحوار الذي ينتظره الناس بفارغ الصبر إلى حوار في كيفية تشكيل لجنة الحوار، وربما نفكر في إنشاء مجموعات للحوار في كيفية الوصول إلى لجنة الحوار التي ستشرف على الحوار الذي ستخرج به البلاد من الأزمة. وكما هو الواقع بكل أسف، لجنة الحوار أنشئت والسواد الأعظم للساحة السياسية رافضا لهذه اللجنة لاعتبارات كثيرة، منها على وجه الخصوص الإخلال بما وعد به رئيس الدولة، وهو أن هذه اللجنة تكون من إطارات وطنية وكفاءات ذات صدقية وذلك لم يقع، بحيث تم تشكيل اللجنة بوتيرة من السرعة وكأن في الأمر “إن”… وفي الوقت الذي كانت الطبقة السياسية تتهئأ للمبادرات في هذا المجال، وإذا بها تفاجأ بلجنة تباركها رئاسة الدولة.. فكانت الصدمة أن ينسحب منها بعض من كان فيها، ثم توالت التساؤلات والانتقادات إلى أن وصلت إلى استقالة رئيسها نفسه ثم عدل عن ذلك بضغط من زملائه.
لاشك أن ليس كل اعتراض عن تشكلة هذه اللجنة بريئا؛ لأن هناك من لا هم له إلا تعطيل المساعي والدفع بالبلاد إل التأزيم، وإنما ذلك لا يدفع بنا إلى اختيار الخطأ وتغليبه على “الصح”.
إن اول شرط لنجاح لجنة الحوار التشكيلة القادرة على استقطاب الرأي العام وسواده؛ لأن الله سبحانه وتعالى وهو خالق كل شيء لم يرسل رسولا، عليه مأخذ بين بني قومه، وذلك تمهيدا لقبول رسالته ونبوته؛ بل إن الخطأ الذي يقع فيه النبي وهو يمارس دعوته، يصبح دليلا عليه وسببا في عزوف الناس عنه. يروي أهل التفسير أن سيدنا موسى عليه السلام رأى رجلا من أتباعه في عراك مع واحد من أعدائه، فاستنصره الذي من أتباعه على عدوه، فنصره فكانت النتيجة أن قتل موسى عليه السلام عدوا له انتصارا للذي من أتباعه {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ}[القصص 15]، ومذ ذلك اليوم أضحى هذا الفعل بمثابة النقيصة التي يعير بها سيدنا موسى عليه السلام بين خصومه والمعرضين عنه حتى أن فرعون قال له:{أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[الشعراء 18/19].
فإذا كان الله يراعي هذا المعطى المتعلق بالعلاقات الإنسانية في تبليغ رسالاته، ما بالنا ونحن والنقائص تحاصرنا من كل جانب، وواقع بلادنا يحتم علينا أن نوفر أقصى ما يمكن من الضمانات لإنجاح مساعينا السياسية لإخراج البلاد من أزمتها.
والشرط الثاني الذي ينبغي استحضاره أيضا، وهي إجراءات التطمين والتهدئة، باعتبارها الخطوات الواجب اتخاذها لإشعار الشعب، وشباب الحراك تحديدا، بجدية المسعى؛ لأن هذا الشعب قد ضرب أعلى الأمثال بحراكه السلمي الحضاري، ويتطلع إلى مساع سريعه توحي إليه بأن هناك جديدا في السلطة، بعيدا عن العصب ومفاسدها التي ذهبت بكل فضيلة بكل أسف.
إن المأزق الذي وقعت فيه لجنة الحوار فأدخلت في معارك وهمية لا علاقة لها بما يريد الشعب، له أسباب موضوعية، وهي عدم توفر الشروط الموضوعية التي يجب توفها كطبيعة تهدف إلى النجاح، وأسباب مصطنعة يسعى لإحداثها رؤوس الفتنة في البلاد من الذين يسعون لإذكاء كل خلاف داخل المجموعة الوطنية، وممن لا يرضيهم وصول البلاد إلى بر الأمان.
ومن واجب السلطة أن تسعى لتوفير الجو الملائم لإحداث هذه النقلة النوعية في الانتقال ببلادنا إلى المكانة التي ينبغي أن تكون عليها، وأن تفرق بين الشروط الموضوعية والمطالبين بها، وبين الأسباب المصطنعة ودعاتها.
إن إرادات الشعوب لا تقهر، إذا تحركت أنجبت، يبقى متى يكون هذا الانجاب؟ ذلك راجع لنخب بلادنا، سواء الذين هم في السلطة أو الذين هم خارجها، سيكون لهم الفضل في صناعة هذا التاريخ، أم أنهم يرجئونه إلى مَنْ بَعْدهم من الأجيال؟