حدث علمي وثقافي جليل … ختم شرح “الموطأ” بعد تسع سنوات

حسن خليفة
حدث علمي وثقافي جليل كبير تم ّ قبل أيام قليلة، وبالضبط يوم السبت الماضي 24 ذي القعدة 1440هـجري موافق 27 جويلية 2019، تمثّل هذا الحدث في ختم الشيخ الفاضل الكريم الداعية بن حنفية العابدين ـ عضو الهيئة العلمية العليا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ـ .. ختم شرح وتدريس موطأ الإمام مالك رحمه الله ورضيّ عنه، وقد بدأ الشيخ ابن حنفية هذا الصنيع العلمي الجليل قبل تسع سنوات كاملة .
ويَسّرَ الله تعالى له هذا العمل النافع الجميل الرائع؛ حيث أتمّ شرحه وتدريسه وتعليمه كاملا خلال هذه المدة غير القصيرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وللعلم فإن “الموطّأ ” هو واحد من دواوين الإسلام العظيمة، وكتبه الجليلة، يشتمل على جملة من الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة من كلام الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ثم هو أيضا يتضمن جملة من اجتهادات المصنف وفتاواه. .
وقد سمي الموطأ بهذا الاسم لأن مؤلفه وطَّأَهُ للناس، بمعنى أنه: هذَّبَه ومهَّدَه لهم ونُقِل عن مالك رحمه الله أنه قال: عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة، فكلهم واطَأَنِي عليه، فسميته الموطأ” [الإسلام سؤال وجواب]”.
إن هذا العملَ العلمي والثقافي الكبير يحتاج منا كمسلمين وجزائريين أن نحتفيّ به أيما احتفاء ونضعه في الموضع المناسب، بيانا لتقديرنا للعلم وللعلماء، وتعزيزا وتعظيما لشأن الاجتهاد في الدين والعلم، وإيفاء العلماء والدعاة حقّهم الكامل من الاهتمام والتبجيل والتحفيز.
كم نرجو أن يكون ذلك في مقبل الأيام في شكل احتفائية علمية إيمانية شرعية خاصة بهذه المناسبة العلمية الكريمة؛ لعلّ شبابنا يتعلّم درسَ الصبر والمصابرة والتوطين والمرابطة على ثغور العلم الشرعي النافع، ويستنتج أن الأصل في البناء هو الاجتهاد والتحمّل والمواضبة، وأن الجهاد العلمي أساس من أسس بناء الأمة، وقد فعل ذلك أفاضل من علمائنا ومشايخنا وعظمائنا من قبلُ كالشيوخ ابن باديس والإبراهيمي والميلي وسواهم، ممن جاهدوا واجتهدوا ورابطوا على ثغور التعليم والتكوين حتى فتح الله سبحانه فتوحه على مجتمعنا وبصّره بالخير والفضل، وآتاه استقلاله وحريّته.
وما تزال الحاجة ماسة إلى هذه المرابطة في حصون العلم كدار الطالب (في معسكر) وسواها من المعاهد العلمية التابعة للجمعية ولغيرها، في ربوع وطننا الغالي الذي لن تستقيم أموره وأحواله إلا بالدين والعلم والشرع والكمال الثقافي الذي يغذي العقول ويعيد بناءها على هدى من الله تعالى وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم .
جعل الله هذا العمل الكريم في ميزان حسنات الشيخ الداعية ابن حنفية العابدين وكل من أعانه وهيأ له الظروف.
وإنّا لمنتظرون من إعلامنا المنشغل بما هو أدنى أن يشتغل بعض الشيء بما هو أعلى، فيعلي من شأن الأحداث المهمة الكبيرة ويعظّم العلم والعلماء والمجتهدين ليكونوا قدوات للأجيال، وما أكثرهم على ثغور العمل ومحاضن العلم يعملون في صمت، بعيدا عن الأضواء والصخب واللهاث وراء الأضواء. وإنما وجبت الإشارة إلى عملهم لفتح المجال لآخرين في هذا الطريق المرجوّ النفع. والله المستعان.
وأحب في هذه المناسبة أن أدرج كلمة للشيخ الدكتور أبو بكر كافي وهو علَم آخر من أعلام الوطن ينافح ويكابد ويعمل على نفس الطريق، وهو أستاذ الحديث بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة. كتب، بارك الله فيه، في مناسبة ختم الموطأ سطورا مضيئة بعنوان”ويتوالى عطاء علماء الجزئر” هذا نصّها : بعد تسعة أعوام من شرح وتدريس كتاب الموطأ للإمام مالك الشيخ بن حنفية العابدين يختم يوم السبت 24 ذي القعدة 1440 هـ 27 جويلية 2019 شرحه، فيُضاف إلى الذين خدموا هذا السفر الجليل (موطأ الإمام مالك رحمة الله عليه، ولعله ثاني عالم جزائري يُتمُّ الموطأ شرحا وتدريسا وتفهيما، بعد الشيخ العلامة عبد الحميد ابن باديس ..
ونحن نترقب انتهاء شرح شيخنا * العلامة الطاهر ٱيت علجت* للموطأ أيضا، فاللهم أمد في عمره وارزقه الصحة والعافية لإكماله، وحتى لا يتكرر ما وقع من ضياع تفسير العلامة ابن باديس للقرٱن الكريم وشرحه للموطأ نطلب من طلاب الشيخ ونلح عليهم فيما يأتي:
* أولا: نشر الدروس المسجلة على الشبكة ليعم النفع بها .
* ثانيا تفريغ الدروس المسجلة ومراجعتها وخدمتها بالتوثيق والتخريج والفهرسة وإعدادها للطبع والنشر بعد مراجعة الشيخ وإذنه.
* ثالثا: التواصل مع دور النشر، داخل الوطن وخارجه، لنشر هذا العمل العلمي العظيم .
* وهنا أهيب بالمحسنين وأهل البذل والعطاء فأقول لهم: إن الشيخ ـ حفظه الله ـ أنفق تسع سنين من عمره، حسبة لوجه الله، يدرّس هذا السفر العظيم ويشرحه لطلاب العلم أفلا يكون منكم من ينفق بعض ماله حسبة لله وحبًا في سنة حبيبه صلى الله عليه وٱله وسلم، لطبع ونشر هذا العمل المبارك.
وأخيرا أدعو وزارة الشؤون الدينية والأوقاف والمؤسسات الرسمية والخيرية إلى الاحتفاء بهذا الانجاز العلمي وتكريم صاحبه وتقديره حق قدره فوالله وبالله وتالله لهو أحق بكل تكريم وأهل له، وإن كنت أعلم عزوف الشيخ عن هذه المظاهر وبُعده عنها، ولكن هذا حق العلم وأهله وتعظيم للشرع وحملته ودعاته الذين ينشرون في الأمة العلم الشرعي المؤصل ـ وينشّئون شباب الجزائر على التدين الصحيح والفكر الوسطي ويحافظون على المرجعية الدينية_بحق وعلم وصدق_ في هذا البلد..
وأخيرًا أقول: شيخنا الجليل لا أجد ما نكافئكم به إلا أن نقول لكم من أعماق أعماقنا : جزاكم الله خيرا أيها الشيخ العالم العامل المجاهد في نشر العلم وبذله بسخاء، الناصح لدينه وأمته ووطنه، وأدام الله تعالى نفعكم للبلاد والعباد. كتبه خادم أهل العلم وطلابه. أبو بكر بن الطيب كافي الجزائري.
قلت: عسى الله أن ينفع بهذه الكلمات فيتداعى أهل الفضل والخير لتعضيد هذه الإنجازات المهمّة وتوسيع دوائر النفع والانتفاع منها.