الاستثمار في الإنسان/كمال أبوسنة
كثيرة هي الدول – ومنها الجزائر – التي تُنفق من الأموال والكنوز ما إن مفاتحها لتنوء بالعصبة أولي القوة، وذلك في سبيل التنمية الاقتصادية، والخروج من دائرة الانحطاط العام، ولكنها لا تهتدي إلى التطور والرقي، ولا يغنيها هذا التوجه من دفع نار التخلف التي ترمي بشرر كالقَصْر، كأنه جِمَالاتٌ صُفْر…!
ولو أنفقت هذه الدول – التي قيل إنها سائرة نحو النمو – النزر القليل من مواردها بشكل مخلص ومدروس في تهيئة ظروف تنمية الإنسان صانع النهضات، وباني الحضارات، لعجَّل الله لها بما كسبت انتقالا ارتقائيا نوعيا في مجالات مختلفة، ذلك أفيد لها مما تصنع، وتُضيع طاقات فيما لا ينفع!
إن فَقْدَ الرجال الأكْفَاءِ لاَ الأَكِفَّاء، الأنقياء لا الأشقياء، الأذكياء لا الأغبياء، الذين هم من خشية ربهم مشفقون، ولخير الأمة يسعون ويعملون، أمر يعرقل كل تقدّم نحو الأفضل، ويُخَلِّف كل مسيرة إلى الأمثل، ولهذا فإن تنمية الإنسان عقليا ونفسيا منطلق هام للتنمية العامة التي تشرئب إليها الأعناق، وتحاول أن تخطو نحوها كل ساق، فمن هنا يبدأ التغيير الحقيقي المؤسس على قاعدة صلبة يمكن للبناء الحضاري أن يستقر عليها، وبالمقابل كل بناء استقر على جرف هار، انهار به في نار جهنم البؤس والفقر والتخلف وبئس القرار..!
وهذا الفقه الواعي هو الذي دفع أحد المفكرين للقول وهو في حالة حزن على ما فرطت هذه الأمة في جنب الله ورسالته الخالدة الإسلام ” يا له من دين… لو كان له رجال”، فالإنسان – سواء كان ذكرا أم أنثى – هو عمدة كل تغيير يحدث في أي مجتمع يسعى للوصول إلى القمة، ونحن في الجزائر بحاجة إلى الإنسان القوي الأمين، والحفيظ العليم،﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ سورة القصص الآية:26،﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ سورة يوسف الآية: 55.
إن بناء بكلِّ رِيعٍ المصانع والمنشآت وغيرها يجب أن يوازي تنمية وإعداد الإنسان الجزائري القوي الأمين والحفيظ العليم، فإن المؤسسات الثقيلة والخفيفة والمتوسطة لا تسيِّر نفسها بنفسها، فهي لا تملك لذاتها ضرا ولا نفعا، وإنما يُسيِّرها ذووا الأيد والأبصار من الأناسي النامين فكريا وروحيا كما أُمروا، والمالكين للضمير المحصن الذي يهديهم إلى سواء السبيل…ولا يُرجى البناء أبدا ممن اتخذ إلهه هواه، ومذهبه الهدم..!
وصدق الشاعر الحكيم عندما قال:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه
إن كنت تبنيه وغيرك يهدم
إننا بحاجة ماسة إلى أن نُرجع البصر كرتين في هذه المسألة الخطيرة – وهي مسألة تنمية الإنسان – لأن الجهود – للأسف – كلها توجهت إلى تنمية عنصر “المادة” واكتفت بذلك، وبُنيت على هذه الفكرة الآمال، وكأن الإنسان مادة فقط لا روح…والحق أن الحياة الإنسانية لا تطير إلا بالجانحين معا…جناح المادة …وجناح الروح…ولهذا جميل أن نخصص ما لا بد منه من الأموال وأن نستثمرها في تنمية الإنسان الذي يصنع الحياة الناجحة…ولله الأمر من قبل ومن بعد.