عشـر ذي الحجة… أفضل أيام الدنيا
يستقبل المسلمون في هذه الأيام شهر ذي الحجة الذي حَبَاهُ الله بفضلين عظيمين: فهو من الأشهر الحُرُم التي لها مكانة خاصة في الإسلام، وحرمةٌ عظيمةٌ عند الله سبحانه وتعالى، وفي قلوب المؤمنين، وهي (ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب) كما جاء في قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}، كما أنه من أشهر الحج التي تتدافع فيها مواكب الإيمان وضيوف الرحمن إلى بيت الله الحرام، تلبية لنداء أبينا إبراهيم – عليه الصلاة والسلام- بالحج إلى بيت الله الحرام، كما جاء في قوله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.
ومع إطلالة هلال هذا الشهر من كل عام يعيش المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في ظلال أيام وليالٍ مباركة، أقسم الله بفضلها وشرفها وعلوّ منزلتها وقدرها، إنها العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، فَيَا لَهَا من أيامٍ مباركة عند الله عز وجل، الأعمال الصالحة فيها مضاعفة والثواب كبير.
فــضل الأيــام العشــر من ذي الحجـــة
لقد بَيَّن القرآن الكريم فضل الأيام العشر من شهر ذي الحجة في آيات عديدة، منها:
* قوله سبحانه وتعالى : {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ}.
– قال الإمام القرطبي في تفسيره: « إن الليالي العشر التي أقسم الله بها هي: العشر الأوائل من شهر ذي الحجة).
– وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – : «والليالي العشر : المراد بها عشر ذي الحجة ، كما قاله: ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف».
-وقال الإمام الشوكاني – رحمه الله – : ({وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، أي ليالي عشر من ذي الحجة).
* وقوله سبحانه وتعالى أيضا: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية السابقة : (عن ابن عباس- رضي الله عنهما- : الأيام المعلومات أيام العشر).
كما بينت السنة النبوية فضل الأيام العشر من شهر ذي الحجة في عدد من الأحاديث، منها:
* عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم – : (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ- رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بشَيْءٍ).
* عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : ( قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ)
الأعمــال المستحبــة فــي هـذه الأيـــام :
من الأعمال التي ينبغي العناية بها في هذه الأيام المباركة :
– الحج : إن الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو فرض واجب على المستطيع، حيث إنه يكفر الذنوب لقوله – صلى الله عليه وسلم -:(مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)، وقوله – صلى الله عليه وسلم – أيضا: (الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ).
– العمرة : إن أداء العمرة مستحبٌ في أشهر الحج، مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم – : (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كفّارةٌ لِمَا بيْنَهُما…).
– الصيام : إن صوم هذه الأيام المباركة من شهر ذي الحجة مستحب، كما جاء في الحديث الشريف : (كَانَ رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ).
-التكبير والتهليل والتحميد : ويستحب الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام العشر؛ لما ورد في الحديث: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ).
– يوم عرفة: يوم عرفة يوم معدود ومحفل مشهود، فَيَا لَهُ من يوم عظيم ، ياليتنا نكون معهم فنفوز فوزاً عظيماً.
* وجاء في فضل يوم عرفة، أنه أكثر الأيام خيراً وبركة، لما ورد في فضل صيامه أنه يكفر الذنوب العظام، وتلك نعمة من أجلّ نعم الله على عباده، لقوله –صلى الله عليه وسلم-: « …صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ».
* ويوم عرفة يوم عظيم الفضل ، يغفر الله فيه الذنوب ويضاعف فيه الحسنات؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (… وما من يومٍ أفضلُ عند اللهِ من يومِ عرفةَ، ينزِلُ اللهُ تباركَ وتعالَى إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيُباهي بأهلِ الأرضِ أهلَ السَّماءِ، فيقولُ: «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي ، جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ، جَاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، يَرْجُونَ رَحْمَتِي ، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرَ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ.
– وقوله – صلى الله عليه وسلم -: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلائِكَةَ، فَيَقُــــولُ: مَا أَرَادَ هَـــــؤُلاءِ).
– وقوله- صلى الله عليه وسلم – أيضا: (مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا، هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلا أَدْحَـرُ وَلا أَحْقَرُ وَلا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ، قِيلَ: وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلائِكَةَ).
– ويُستحب الإكثار من الدعاء في يوم عرفة اقتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم -، كما جاء في الحديث الشريف أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْم عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير).
ومن المعلوم أن الدعاء ملاذُ كلّ مكروب وأملُ كلّ خائف وراحةُ كلّ مضطرب، كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
– يوم النحر: من فضائل هذه الأيام العشر، ما شرعه ديننا الإسلامي الحنيف من نحر الأضاحي يوم عيد الأضحى؛ لذلك نرى المسلمين في هذه الأيام يستعدون لشراء الأضاحي استجابة لسنة أبينا إبراهيم- عليه الصلاة والسلام-، وللنداء النبوي: (مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ)(21)، فمن أراد أن يُضحي عن نفسه أو أهل بيته ودخل شهر ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يذبح أضحيته؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم –: (إِذَا دَخَلَ الْعَشر وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلاَ يَأْخذ مِنْ شَعرِهِ وَلاَ مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئاً حَتَّى يُضَحِّي)، والحكمة من ذلك أن تعمّ المغفرة جميع الجسد.
أخي القارئ: عليك أن تحرص على الإكثار من النوافل في هذه الأيام المباركة، واحرص على قيام الليل وأعمال البرّ والخير وصلة الأرحام، فإنها من الأعمال التي تُضاعف أجورها في هذه الأيام المباركة.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأقوال والأعمال، إنه سميع مجيب الدعاء.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.