على بصيرة

ألم يأن للحراك أن يحقق مبتغاه؟/ أ. د. عبد الرزاق قسوم

أما آن لهذا الحراك الشعبي الجزائري المبارك الذي سارت بخبره الركبان، وأشادت بذكره وسائل إعلام البلدان، واعتبر مثلا يحتذى لكل المطالبين بحقوق الإنسان والأوطان، أما آن له أن يحقق مبتغاه، وينشر على كل المجالات عطره وشذاه؟

لهف نفسي على نبع الحراك الصافي الرقراق الذي أخصب الأرض، وثبت الفرض، فاخضرت الأوراق، وامتلأت بخرير هتافه الأشداق، فاشرأبت الأعناق، وتوحدت الصفوف، والتفت الساق بالساق، لهف نفسي على هذا النبع الأصيل الدفاق، وقد خالطته جداول الدخيل من تيار الرفاق، فأفسدت الأذواق، وزرعت الشقاق، وغيمت بالظلامية الإيديولوجية الآفاق.

وإلا فما بال حراكنا الشعبي الهادر، أضحى يبعث بأعراض الوهج الفاتر، ويوحي بتحلل من المد الوطني القادر إلى نوع من اللامبالاة، أو التفكك الخائر.

لقد ظللنا ومازلنا نمنّي النفس، بأن مؤسستنا العسكرية، وأحزابنا الوطنية سترافق حراكنا طيلة المسيرة، وتمده بالطاقة الحيوية من المعنويات ونبل الذخيرة.

غير أن تعدد المبادرات، وتنوع المقترحات وغياب المعايير في اختيار الشخصيات، قد أفسد على المحللين كل الحسابات، وأضاف إلى التأزم القائم مجموعة أخرى من الأزمات.

فأين الشعارات التي نادى بها الحراك وأهمها ضرورة التغيير، واستقلالية الخيار في من يتولى تقرير المصير، ووضع أعلى وأغلى المعايير لضمان السير والتسيير؟

كنا نتوق إلى حيادية كل المؤسسات درءا لكل الشبهات، وإبعادا للجميع عن كل التدخلات في وضع الآليات وتجسيد القطيعة مع ما مضى من الممارسات، كي نبني وطنا تسوده الحرية، والاستقلالية، والاعتزاز بالجديد من الإنجازات.

يجب أن نتحلى بالشجاعة في تقييم الأوضاع، وتشخيص الأوجاع لنعيد الحماس إلى كل الأصقاع، حتى وإن دعت الحاجة إلى غمس أقلامنا في دماء قلوبنا لنكتب الملحمة الوطنية المنشودة التي حلم بها شهداؤنا، ويطمح إليها الجيل الصاعد من شبابنا وبناة عهودنا.

إن البناء الصحيح، يبدأ بالقول الصريح والخطاب الفصيح، وهو أنه لا يمكن بناء البيت العظيم بالحجارة القديمة، ولا العقل السليم باللغة العقيمة، بل ينبغي اختيار الصالح من الجديد والقائم على المجد التليد، للقيام بكل بناء وتشييد.

فما بالنا ننأى عن هذه البديهات من الأحكام؟ وما لنا لا نستعين بالفقهاء الأعلام؟ والساسة العظام، وفلاسفة الحكم الفُهام؟

ألم تعظنا التجارب السقيمة، وما ألحقته بنا من أنواع الهزيمة، وألوان الفساد، والشيتة، ومرارة التبعية، والإنسلابية والإستقواء بقوة الشر القديمة؟

عار علينا أن نصم آذاننا عن نذر اللطيمة! التي يبعث بها وطننا لبقايا الفئة الحكيمة، أن أنقذونا من الغول الاستعماري اللئيم، وما بثه فينا من أتباع حزبه الذميم، والذي أفسد علينا عقلنا، وضاعف شؤمنا، وخلط سؤلنا، وأكثر لؤمنا، وسقمنا.

إن طريق النجاة صار واضحا، لا لبس فيه لمن أراد سلوكه، والسير فيه، وهو أننا نقدم المبادئ على الأشخاص، إذا أردنا حقا تحقيق الخلاص، والوصول بالوطن إلى أعلى الأقفاص.

إن من علامات طريق الخلاص، التقيد بالمطلق، من الحرية المسؤولة، فنفسح المجال للخيرين في هذا الوطن وفق معايير مشهودة، فنترك لهم تحديد المعايير في وضع آليات التسيير، والتحلي بالموضوعية في من تسند إليهم مهمة التخيير، وحسن التعبير، فنضمن الاطمئنان إلى ما ستفرزه معاييرهم في انتقاء الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، وشروط تكوين حكومة الكفاءات، وكيفية الترشح لمختلف الانتخابات وتقلد المسؤوليات.

كما نتوق إلى النأي بمؤسساتنا عن تصفية أية حسابات، والتحلي بدل ذلك بالشفافية في وضع القضاة لمحاكمة من قد يوصفون بالمفسدين أو الطغاة.

ينبغي أن تكون المحاكمات شفافة وعلانية، ومتلفزة، كي نعمل على تثقيف شعبنا بالوعي السياسي، وتمكين كل منهم للإدلاء برأيه، بعيدا عن أي ضغط أو تأويل.

هذه هي رسالة الحراك الشعبي في نبعه الصافي الأصيل، ونعتقد أنه قد آن الأوان كي يُمكَّن لمبادئ الحراك الوطنية النبيلة، كي تحقق مبتغاها بين عشية وضحاها.

الله! الله! في الوطن، يا أبناء الحراك لا تلوثوا حراككم بالشعارات الزائفة، ولا تفسحوا المجال بينكم لأزلام السلطة الآنفة.

احذروا كل فكرة سامة، وكل الدسائس الطامة، فإن بيننا حرباويين متلونين يبدون لكم البسمة وهم مفسدون، ويقدمون لكم النصح وهم مخادعون.

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾[ سورة البقرة، الآية: 204/205].

وكما يقول الشاعر العربي الكبير أحمد مطر:

أقول إذا أدرك الأحمق

             وثاب إلى رشده الأخرق

مصير العميل، مصير الثقاب

             يحُك ليشعل نار الخراب

وفي ناره، نفسها يُحرق

            بهذا جرت عبرة السابقين

فخذ عبرة، أيها اللاحق.

نقول بعد كل هذا، ألم يأن للحراك أن يحقق مبتغاه؟

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com