لماذا يرفض ” الديمقراطيون ” الحوار والانتخابات؟/ عبد الحميد عبدوس
في بداية تسعينيات القرن الماضي، وعلى مقربة من موعد الانتخابات التشريعية، رفع أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة في بعض المناسبات، وخلال بعض المسيرات التي كانت تستقطب مئات الآلاف من المناصرين، شعار:” دولة إسلامية بلا ما نفوطيو”( دولة إسلامية بدون انتخابات).
هذا الشعار كان محل شجب وتنديد ورفض من طرف الصحافة والقوى المعارضة للجبهة الإسلامية، وكذلك من طرف السلطة الحاكمة وإعلامها.
وكل هذه الأطراف كانت ترى في شعار “دولة إسلامية دون انتخابات” دليلا على عدم اقتناع الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالخيار الديمقراطي، وعلى رغبتها في الوصول إلى السلطة بطرق غير شرعية، معتبرين أن الاحتكام للصندوق هو الوسيلة الشرعية الوحيدة للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها. ورغم التداول الظرفي لهذا الشعار “الفيسي” إلا أنه عندما حان موعد الانتخابات توجه أنصار الجبهة الإسلامية إلى مكاتب الاقتراع بكثافة وقناعة، ومنحوا أصواتهم لمرشحي الجبهة الإسلامية الذين حققوا تقوفا انتخابيا كبيرا على مرشحي بقية الأحزاب السياسية والمرشحين الأحرار، هذا الفوز الانتخابي الكبير أصاب أعداء المشروع الإسلامي بالهلع والصدمة، ودفع جنرالات الجيش آنذاك أمثال: خالد نزار، والعربي بلخير، ومحمد العماري، ومحمد تواتي، بن عباس غزيل…وغيرهم من ضباط فرنسا إلى الانقلاب على إرادة الشعب وإدخال البلاد في حمام دم، لم يتم الخروج منه إلا بفضل الله تعالى، ثم بجهود الخيرين والمخلصين من أبناء الجزائر، رغم أن آثار تلك المأساة الوطنية المروعة مازالت باقية إلى اليوم، والتي يتحمل النصيب الأكبر من وزرها وآلامها الجنرال نزار، ورفاقه في إصدار قرار توقيف المسار الانتخابي، وحشر الآلاف من أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ في معسكرات الاعتقال الإداري بالصحراء.
أما اليوم، وبعد مرور أكثر من 26 سنة على اندلاع الأزمة السياسية والأمنية التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من الضحايا وضياع ملايير الدولارات من ثروة الجزائر، وبعد أن أصبحت مسيرات الحراك الشعبي معرضة لاختراق عناصر منظمة من أذناب العصابة التي نهبت البلاد وقهرت العباد وعناصر حلفائهم من أتباع السياسيين والنقابيين والحقوقيين الرافضين للحلول الدستورية للأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ إقالة رئيس عصابة الفساد والنهب المنظم عبد العزيز بوتفليقة، وهم في الغالب من الداعين إلى الدولة اللائكية والارتباط بالحضارة الغربية المادية، أصبحنا نرى أنهم متمسكون بما يشبه شعار ” جمهورية ثانية دون انتخابات”، وإلا كيف يمكن أن نفهم مغزى شعاراتهم وهتافاتهم التي يكررونها بلا ملل ولا خجل في مسيرات جماعات الحراك الشعبي المتوالية بعد سجن رؤوس العصابة في سجن البليدة العسكري، وكبار ناهبي المال العام في سجن الحراش المدني:”ما كانش الانتخابات”( لا للانتخابات) و”ما كانش الحوار”( لا للحوار) …والغريب أن رافعي هذه الشعارات ومرددي تلك الهتافات ينتمون في الغالب لما يسمى ” قوى البديل الديمقراطي”، فإذا كان الحوار مرفوضا، والانتخابات غير مرحب بها لاختيار رئيس جمهورية يتولى ترسيخ وتجديد المؤسسات الدستورية، من طرف أدعياء التيار الديمقراطي، فما هو السبيل إذن للخروج من الأزمة؟
قبل بضعة سنين، سمعت من العلامة الشيخ عبد الرحمن شيبان الرئيس السابق لجمعية العلماء المسلمين ـ رحمه الله ـ كلاما نشره بعد ذلك في سوانحه التي كانت تتصدر جريدة البصائر، أن أنصار الدولة اللائكية كانوا حريصين ومتواطئين منذ البداية على تمرير مطالبهم وترسيخ أيديولوجيتهم المعبرة عن توجه الأقلية التغريبية في الدستور الجزائري مباشرة بعد استعادة الاستقلال الوطني وتكليف المجلس الوطني التأسيسي تزويد الجزائر بدستور لتسيير شؤونها في جميع الميادين.
ومما قاله الشيخ شيبان ـ رحمه الله ـ: سنة 2001 في جريدة البصائر:”… لما قدم الدستور قامت معركة بين الجناحين اللذين يشكلان الأغلبية: جناح اليساريين التغريبيين وجناح الوطنيين التقدميين الإسلامين، حول نقطتين أساسيتين حساستين هما الإسلام والعربية.
نادى اليساريون بأن يكون الإسلام دينا للشعب لا للدولة، لتسير الحياة تحت راية اللائكية المتحررة من كل القيود، وأن تكون العربية كذلك لغة للشعب لا للدولة، حتى لا تلتزم الإدارة الجزائرية ومؤسساتها باستعمال لغة غير لغة ماريان ( MARIANNE) ، كما نشاهد اليوم من يحرصون على هيمنة اللغة الفرنسية في المراجع الدنيا والمراجع العليا على السواء، فقلت خضنا معركة الإسلام والعروبة، فكتب الله تعالى الغلبة للأصالة والحق والتاريخ، فكانت المادة الثانية من الدستور الجزائري: الإسلام دين الدولة، وكانت المادة الثالثة: العربية: اللغة الرسمية للدولة، وذلك بفضل نواب الأمة الذين كان عدد كبير منهم من ضباط وجنود جيش التحرير الوطني، أمثال العقيد الحاج الأخضر أسد الأوراس وغيرهم من أسود الولايات التاريخية الست، رحم الله تعالى من فارق الحياة منهم، وحفظ وكرم من لا يزالون منهم على قيد الحياة، ولله الأمر من قبل ومن بعد”.
هذا ما قاله وما كتبه الشيخ عبد الرحمن شيبان في سانحة تحت عنوان ” مع الحق والواجب دائما “، والمتأمل في ما يجري اليوم على الساحة الوطنية يتأكد أن اللائكيين لم يفقدوا الأمل في تمرير أطروحاتهم التغريبية من خلال الدعوة إلى تعديل الدستور من خلال مجلس تأسيسي دون اللجوء إلى الانتخابات، وكم هي لافتة للانتباه نقاط التشابه مع ما حدث من صراع حول الحفاظ على أسس الثوابت الوطنية وترسيخ الهوية الحضارية للشعب الجزائري بين فريق قوى التغيير الديمقراطي وحلفائهم من أتباع العصابة، وبين قوى المحافظة على استقلال الجزائر وانتمائها الإسلامي وأصالتها الأمازيغية العربية التي يدعمها ويدافع عن مبادئها أنصار التيار الباديسي النوفمبري صاحب الأغلبية الشعبية والشرعية التاريخية.