قضايا و آراء

نحن والزواف والجزائر!/علي حليتيم

ترددتُ كثيرا قبل الخوض في هذا الموضوع لقناعة قديمة أن الخوض في مثل هذه المواضيع يخدم أغراض الاستقطاب التي يسعى لها الساعون من بغاة العنت لهذه الأمة قديما وحديثا.

ولقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرتحلوا في غزوة بني المصطلق لمجرد نشوب الخلاف بين رجلين من الصحابة حيث نادى أحدهما ” يا معشر الأنصار! ” ونادى الآخر “يا معشر المهاجرين! ” واستغلها رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول سانحة فقال ما قال دفعا من للخلاف إلى بعد عرقي شامل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش بالرحيل ” وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها، فارتحل الناس ….  ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله ابن أبي”[سيرة ابن هشام].

فتأمل معي تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف أدرك أن الحكمة في الفتنة هي صرف الناس عن الخوض فيها، وأبى هو نفسه أن يخوض فيها وهو الرسول الناطق بالحق المؤيد بالوحي!

وهذا المقال من تلك الحكمة النبوية دعوة للكف عن الخوض فيما يفرق ويشتت والانتباه لما يراد لهذه الأمة ويكاد، وإليك البيان:

الزواف هي وحدات مشاة خفيفة فرنسية تابعة لجيش إفريقيا، غالبًا ما ترتبط هذه الوحدات مع صورة معارك الإمبراطورية الثانية والمعروفة بزيها المفرد من 1830 إلى 1962.

لكن الذي أنشأها في الأول هم العثمانيون ثم حذا حذوهم الجيش الفرنسي بعد ذلك وكذلك الولايات المتحدة خلال الحرب الأهلية الأمريكية(1861-1865) والبرازيل خلال حرب باراغواي (1865-1870) والولايات البابوية.

وإذا كانت التسمية “Zouave” مستعارة من اللغة العربية زواوة بالنظر لانتشار الزوايا القرآنية بها، ويقصد بها القبائل الأمازيغية الكبرى التي تقطن المنطقة التي سميت فيما بعد القبائل الكبرى، إلا أنه لا ينبغي أن نستنتج أن فيلق الزواف كان يتكون حصريا من القبايل، على العكس من ذلك، كان عددهم قليلًا (1500) مما دفع الفرنسيين إلى التجنيد من أي عرق فكان هناك عدد كبير من العرب، والمور maures، والكرغل والمتطوعين الأوروبيين والسود الذين شاركوا في التشكيل الجديد. ثم تم الاستغناء عن كل الأجناس ما عدا الأوروبيين بعد مرور عقد من الزمان من التجربة مما يدل على قلة ثقة الفرنسيين في هؤلاء الزواف في نهاية المطاف.

والخائض في الفتنة ينسى ويعمى عن الحقائق الكبرى وأولها أن الفرقة الأمازيغية العربية هدف فرنسا والشيطان وكل أعداء الوطن وليست هدف الجزائريين الذين يريدون أن يبنوا وطنا واحدا موحدا ولا هي – أي الفرقة – مما أمر الله عز وجل به المؤمنين.

والخائنون الذين تعاونوا مع المستعمر الكافر كانوا من كل الأجناس ولم يكونوا أمازيغ خالصين.

الخيانة ليست عرقا من الأعراق كما يظن الجاهلون.

ولقد حاولت فرنسا – ولا تزال – أن تستميل الأمازيغ إلى صفها بحكم أن عدوها الأول في الجزائر هو اللغة العربية التي هي مفتاح الإسلام وباب الدخول فيه لكنها حاربت كل الأمازيغ المتمسكين بدينهم وشردتهم وأبادتهم وحاربها الأمازيغ الأحرار منذ فجر الاحتلال كذلك سواء بسواء.

والزواف ليست لعنة تلحق الأجيال فنحاسب أمازيغ اليوم بخطأ أجيال الأمس فإنه {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}.

ولا يزال حتى اليوم أمازيغ وعرب يخونون الله ورسوله ويسعون لخدمة المحتل لغة وثقافة وهيمنة على الجزائر في كل القطاعات.

لكن للمحتل خدمة من نوع آخر وهم الجاهلون الذين يصرون على تفريق الصف وتعميق الشرخ وسقي مزرعة الخلاف بماء الشنآن والتشكيك.

وما أكثر المتطرفين من الجانبين!

ما أكثر المتطرفين من جانب العرب الذين يسخرون من الأمازيغية ويرفضون أن يعترفوا بكونها لغة فضلا عن أن تكون لغة وطنية. وما أسعد مشروع الفرقة والفتنة بمثل هؤلاء الأغبياء. ومنهم متطرفون يحيون قضية الزواف إصرارا منهم أن كل الأمازيغ على شاكلتهم. خابوا والله وخسروا. ما حرر هذه الأرض إلا الأمازيغ جنبا إلى جنب مع إخوانهم، وما رفع راية الإسلام في هذه الربوع إلا الأمازيغ، وما خدم اللغة العربية إلا الأمازيغ.

الأمازيغ أهل الله وأولياؤه وأنصار دينه إلى يوم القيامة تماما مثلما كان الأنصار أنصار رسوله في المدينة.

وفي الأمازيغ متطرفون يخدمون الاستعمار ويعتبرون العرب محتلين والإسلام دخيلا. ووالله لا علاقة لهؤلاء باللغة الأمازيغية ولا بالثقافة القبائلية بل كل همهم خدمة فرنسا والاستعمار. ومنهم دعاة فرقة وانفصال يتلقون الأموال والتعليمات من باريس، لكن الأمازيغ الأحرار يتبرؤون منهم ويتمسكون بهويتهم الجزائرية المسلمة .

لقد كشف الحراك المبارك عن كل الأقنعة وأبان عن معدن الجزائريين النفيس وتمسكهم بوحدة شعبهم وأرضهم واعتزازهم بهويتهم. والدور الآن على المثقفين في كل الطوائف أن يتصدوا بكل حزم – كما كان الحال إبان الثورة – لدعاة الفتنة والفرقة الذين يسعون لتمزيق الوطن وخدمة المحتل القديم/الجديد، وأن يزرعوا في شعبنا ثقافته الأصيلة في الحب والتآلف الوئام التي كانت زاده وذخره مُذ حل بربوعه الإسلام.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com