أمريكا تبتز العالم -2-/ أ. محمد الحسن أكيلال
التحالف الدولي أولا
كثير من المتتبعين لقضايا الشرق الأوسط يرون أن الحرب قادمة وأن أمريكا قد حسمت أمرها فعلا للقيام بهجوم قوي على إيران تزيل فيه كل المحطات النووية والقواعد الصاروخية الباليستية وثكنات الحرس الثوري، تماما مثلما فعلت مع العراق ذات يوم من عام 2003، وما ترددها التكتيكي إلاّ لاستيفاء بعض العوامل والشروط الضرورية لإنجاح العملية، منها:
- بناء تحالف دولي واسع يغنيها عن الاستناد للأمم المتحدة لاستئذانها.
- إقناع القوتين الأعظم، روسيا الاتحادية والصين الشعبية بالتزام الصمت.
- التأكد من عدم تكافؤ رد الفعل مع الضربة.
بالنسبة للتحالف الدولي فقد أنجز منه ما هو ضروري على الأقل كهياكل قاعدية في المنطقة كأراضي البلدان العربية المجاورة وقواعد عسكرية وجيوش الأنظمة العميلة والتكفل بالتمويل السخي وخاصة من طرف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية وقطر.
قبول الدول الغربية أعضاء الحلف الأطلسي المشاركة بفعالية في التحالف وقد بادرت المملكة المتحدة بالإعلان عن نيتها في المشاركة بعد مساهمتها الفعلية الأولية باختطاف باخرة نقل النفط الإيرانية في المياه الدولية بمضيق “جبل طارق” في انتظار دول أخرى مثل فرنسا التي تقوم حاليا بتمثيل دور الحكيمة الملتزمة بالقانون الدولي وبالاتفاقية النووية الموقعة والتي تنصلت منها أمريكا من جانب واحد، ما يضعف حجتها من الناحية القانونية في رأي كثير من عقلاء العالم.
بالنسبة للقوتين الأعظم، روسيا والصين، فإقناعهما بضرورة التزام الصمت يكاد يكون مستحيلا إلاّ إذا استعمل السيد “ترمب” أسلوبه في المعاملات التجارية والمالية كأن يلغي نهائيا العقوبات الاقتصادية والمالية والتجارية التي قررها في حق الدولتين وهذا ما لا يستطيع ابتلاعه السيد “ترمب” لأنها فعلا ستكون أهم أسباب وعوامل فشله في الانتخابات القادمة التي يريد الفوز فيها ضد منافسيه في الحزب الديمقراطي.
رد الفعل هو العامل الذي يشكل أقوى المكابح والمثبطات، وخاصة ما يتعلق فيه بحماية دول الكيان الصهيوني المحاطة بقوسين ناريين، أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب، وكلا القوسين يشكلان من الناحية الاستراتيجية أخطر الجبهات التي يمكن أن تشكل خطرًا حتى على القوات الأمريكية نفسها، خاصة تلك المتواجدة في البحر الأبيض المتوسط والمكونة من البوارج الحربية وحاملات الطائرات في الأسطول السادس.
فــــ “ترمب” عليه أن يستنفر كل مؤسسات التفكير والتخطيط والدعاية والاستخبارات لوضع الخطة المناسبة للضربة الأقوى وبخسائر مادية وبشرية أقل مقارنة بسابقة العراق.
إيران على موعد مع التاريخ
إيران الوحيدة المحاصرة عسكريا بتواجد القوات الأمريكية في غربها في أفغانستان وفي شرقها في العراق وسوريا، وفي شمالها في تركيا وفي جنوبها في الخليج وبحر العرب.
إيران المحاصرة اقتصاديا والمحرومة من أموالها المودعة في البنوك الأمريكية منذ ما يزيد عن أربعين سنة والمعاقبة إلى حدّ تصفير صادراتها من النفط وتقييد كل الدول المتعاملة معها بالإجراءات البنكية القاسية بفرض العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية عليها إن أبقت على نشاطاتها الاستثمارية فيها.
إيران التي تقف وحيدة وسط كل هذا معتمدة على الله وحده وعلى عقول أبنائها الذين قرروا رفع كل التحديات وبناء قوة اقتصادية وتكنولوجية خاصة لا فضل لأحد عليها يمكنه أن يكون وسيطا للغرب يثنيها عن عزمها ويفت من إرادتها النابعة فعلا من الآية الكريمة {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} صدق الله العظيم.
هذه الجمهورية الإسلامية الإيرانية الواقفة بين ممالك وإمارات وجمهوريات مسلمة شكلاً ولكنها غير ذلك مضمونا، ستكون بإذن الله على موعد مع تاريخ يكتب لها لا عليها.
إن الحرب قادمة لا محال، وإيران التي ما انفكت تجيب الاستفزاز بمثله أو أكثر، منذ بداية العمليات الاختبارية هذه، لقد أسقطت الطائرة الأمريكية المسيرة واختطفت حاملتين للنفط ثم أطلقت إحداها مقابل العملية البريطانية في “جبل طارق”، إنها تؤكد أن ميزان الردع قائم وأنها ليست كما يتصورها الأمريكيون والغرب مثل العراق المسكين الذي دفعه هذا الغرب إلى حتفه حين قام بغزو الكويت ليعطيهم الحجة القانونية الكافية لقبول الكثير حتى من الدول الشقيقة في المشاركة في بناء التحالف لغزوه.
إن إيران حتى الآن تقف صامدة حكيمة في تصريحات مسؤوليها وممارسة دبلوماسيتها بكل حنكة وجدارة ومواصلة بناء قوتها الصاروخية وأسلحتها التكنولوجية الذكية في صمت وكتمان لتكون ضربتها الدفاعية الأقوى والأشد إيلاما للمعتدين وعلى رأسهم الولايات المتحدة ودولة الكيان الصهيوني والدول العربية العميلة المجاورة المكلفة بتمويل الحرب.
الحرب إذا اندلعت و اشتد أوراها فقد تطال الأجزاء الشرقية من أوروبا، لهذا فعلى الاتحاد الأوروبي أن يترك خداعه ونفاقه ويتصدى بحزم وصرامة للولايات المتحدة ليثنيها عن عزمها وإلاّ فإن البادئ أظلم. والدولة التي صنعوها في أرض فلسطين بالقوة ستكون نهايتها في هذه الحرب إن شاء الله.