حتى يعتدل الكون/ عبد العزيز بن شرنين
إن سنن الله الكونية لا تتخلف عن التنفيذ إيجابا أو سلبا…قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً} هناك ثلاث دعوات مستجابات:
دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالدين؛ فالأولى من حكم الله عز وجل أن المظلوم يتفرج في مصرع الظالم ويرى بعينه ما يلحقه من أذى وعقوبات دنيوية من قبل الله عز وجل حتى يستقيم الكون، ويمشي على ما أراد الله، لقوله تعالى:{مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ }، هناك أناس في هذه الحياة الدنيا عصوا أباهم، فلحقهم الأذى، وأضلهم الله عن السبيل، هناك زيد من الناس عصا أباه، فاستدرجه الله في حياته مدة من الزمان، حتى رزقه الله ست أطفال، فجاءته نزوة شهوانية، فتعرف على امرأة في الشارع، وطلب يدها فقبلت الزواج به، تزوجها ورزق منها ولدا،
وما هي إلا بضع سنين، حتى قامت خصومة بينهما، من أجل السكن الذي اشترته بمالها، فأراد الزوج أن يكتبه على اسمه، فرفضت هذه المرأة على أساس أنها هي التي دفعت ثمن الدار، وقالت له إذا أردت أن تكون شريكا في هذا المنزل فما عليك إلا أن تدفع نصيبك من المال، فرفض ذلك وأبى أن يدفع وأراد أن يملك سكنا دون أن يدفع شيئا، فنشب الخلاف بينهما وافترقا على هذا الخلاف، ورجع إلى أم الأولاد وإلى زوجته القديمة، فنشب الخلاف بينهما فكان من أجل الأمور المادية، وكان سببه الدار أيضا التي ورثتها من أبيها، فأراد أن يدخل شريكا دون أن يدفع أي مبلغ من المال، فلما رفضت زوجته القديمة طلقها وتزوج امرأة ثالثة، فأصبح الآن ينفق على ثلاثة أسر، وأنجب من الأخيرة هذه ولدان، فأصبح ينفق على ثلاثة أسر، وهكذا تعقدت عليه الحياة، لأنه في البداية قدم عقوقا ولم يمتثل لأوامر الله ونواهيه فعوض أن يعيش بعائلة واحدة، يرعاها بعينه، ويصنع من الأولاد جوا إيمانيا عظيما. يتعهد أولاده بالصلاة، ويرعاهم في المدرسة والثانوية والجامعة حتى يكونوا خير خلف لخير سلف، لكنه جرى وراء هوى النفس، وهوى متعة الفرج، فقد خسر ثلاثة أسر، وفاز بالمعيشة الضنكة، لأنه زرع الشوك لابد أن يجني الجراح وهذا يقينا لا ريب في ذلك ولا مراء، والأمثلة كثيرة في المجتمع، ولا يمكن إحصاؤها، وهناك نموذج إيجابي بار بوالدته، يطيعها ويحبها وتحبه سمنا على عسل كما يقولون، كان هذا الرجل المحترم يعيش مع والدته وزوجته وابنته الصغيرة في بيت واحدة، وكان هو يعرف طبيعة أمه، فهي والدته تخاف من الرعد، وصوتها المرعب، وعندما تحين ليلة الرعد يترك زوجته وابنته الصغيرة وينام مع أمه، حتى يذهب عنها الخوف، يقوم دائما بتنظيف غرفتها، وترتيب ملابسها ويضعها في خزانة أمه منظمة، ذات يوم وجد العمل في مدينة وهران، أخبرها أنه سيذهب إلى وهران ليشتغل هناك، لأن رب العمل يعطيه أجرة كبيرة يحسن بها معيشته، وقالت له إن أرزاق الله في كل مكان ابق معي، ولا تفارقني، امتثل لأمر والدته، وهي معه ورضى بالمعيشة القليلة حتى توفيت والدته، رحمها الله، فمنحه الله ولدين صالحين الولد الأكبر اشترى لأبيه سيارة بـ 100 مليون سنتيما، هذا الأب مهنته بناء، قال له ابنه المطيع لأبيه يا أبت إذا لم يكن لك المعاش عند الدولة اعتبرني أنا هو:(معاشك وتقاعدك)، وإذا أردت أن تتوقف حتى على العمل، فأنا الذي أتكفل بمعيشة الدار، لكن الوالد المحترم منحه الله قوة في البدن، وإشراقة في القلب، ورجاحة في العقل، فهو يقوم بحرفة البناء وتعرض عليه مشاريع بأثمان باهظة، ينجزها وهو في فرح شديد بولديه الصالحين، يلتزم بأوقات الصلاة، وجيبه دائما عامر، لا تفارقه النقود، هذا كله عربون والدته، هذا هو النموذج الذي نريده في حياتنا ونريد الإقتداء به.
وخلاصة هذا المقال، أن الأول يتجرع مرارة المعصية ويعيش التعاسة والشقاء، حياته عذاب أليم، اضطراب نفسي، وتمزق أسري وشرود ذهني، وفوضى في حياته، عذاب وآلام، وحسرة وندامة، لأنه عصى الده وعقه، فكان له ما كان، فهو يحصد ما زرع، ويقطف ما غرست يداه .
أما الثاني فهو ينعم بالحياة السعيدة، والأيام الحلوة، والذرية الصالحة، والسكينة وطمأنينة القلب وراحة البال، وبركة العمر، والجو الإيماني المبارك، هذا لم يأت من فراغ، وإنما جاء نتيجة عربون الطاعة لوالدته والإحسان إليها …،