حوار

رياض بغدادي الباحث الجزائري المتخصص في تطوير لغات البرمجة والذكاء الصناعي في حوار مع البصائر/ حاورته: فاطمة طاهي

 

بحث جديد يُمكّن علماء الفيزياء النووية بتسريع تجاربهم

يُؤسس جمعية “امتياز” لتحقيق التميز الوظيفي للطلبة

لا تزال أرض الجزائر تُنجب كوادر وعلماء في كل المجالات، ليبدعوا داخل الوطن وخارجه، رياض بغدادي واحد من خيرة أبناء هذا الوطن، اتخذ في حياته قدوة حسنة ممّن سبقوه من الباحثين، ليختار أخاه سفيان الذي كان مولعا بعالم الإعلام الآلي فيسير على خطاه، رياض بغدادي دكتور جزائري خريج المعهد الوطني للإعلام الآلي، توجه إلى فرنسا، أين واصل اجتهاده النظري لينال شهادتي الماستر والدكتوراه بجامعة “الصوربون باريس”، آمن بنفسه وبقدراته، فجعل بحوثه محل اهتمام ونقاش في كبريات المعاهد العالمية، ليكون باحثا بمعهد “ماساشوتس للتكنولوجيا” ببوستن بالولايات المتحدة الأمريكية، إنه ابن الجزائر الأصيل الذي يعمل في مجال تطوير لغات البرمجة والذكاء الصناعي حتى وإن كان خارج الوطن فقلبه يسكن هذا الوطن فيستجيب لندائه كلما احتاج لخدماته، ليكرمه بابتكاراته ومشاريعه، فلا هو ترك مدرجات الجامعات من أجل إيصال أفكاره لمن اتخذوه قدوة، ولا هو تغافل عن إنشاء جمعية جزائرية جمع فيها أبناء بلده، ليختار لها عنوان “امتياز”، حتى ترشد بحوث الطلبة نحو الامتياز، وتنير عقولهم ودروبهم في عالم الإعلام الآلي.

  • حدثنا عن فترة دراستكم هنا في الجزائر ؟
  • أتممت دراستي الثانوية بالدار البيضاء بالعاصمة، وبعد نجاحي في نيل شهادة البكالوريا توجهت بعدها إلى الدراسة في المعهد الوطني للإعلام الآلي بالعاصمة، أين تحصلت على شهادة مهندس دولة في الإعلام الآلي، خلال دراستي بالمعهد قمت بنشر ثلاثة أبحاث علمية محكمة في مؤتمرات داخل وخارج الوطن، أولها كان في السنة الثانية وآخرها في السنة الخامسة، فترة دراستي في الجزائر أعتبرها من أفضل فترات حياتي لأنني تعرفت فيها على أفضل أصدقاء، وهم مجموعة من خيرة شباب الجزائر الذين لا زلت على اتصال دائم بهم وأعمل معهم بشكل متواصل.
  • لماذا بالتحديد اخترتم هذا التخصص، تخصص “الإعلام الآلي”؟
  • مجال الإعلام الآلي كان دائما يستهويني منذ أن تعرفت عليه، وكانت معرفتي له عن طريق أخي، سفيان بغدادي، الذي درس نفس التخصص في نفس المدرسة، وقد كان قدوتي الأساسية في هذا المجال، ما يعجبني في الإعلام الآلي أنه مجال مبني على الابتكار، فالهدف الأساسي فيه هو تطوير أنظمة تحل مشاكل الناس وتسهل عليهم حياتهم، الإعلام الآلي أيضا مجال يؤثر على حياة الملايين، فالجميع يستعمل اليوم أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية وأي مساهمة في هذا المجال يمكن أن يكون لها أثر على الملايين من الناس، تطبيقات الإعلام الآلي لا حصر لها واستعمالها يدخل في كل المجالات، من تطوير الأدوية وكذا الاكتشاف المبكر للأمراض إلى أنظمة الذكاء الصناعي وأنظمة التحكم في الأقمار الصناعية إلى البرامج الترفيهية، بالإضافة إلى كل هذا، فرص العمل في هذا المجال كثيرة، مثلا في الولايات المتحدة، في سنة 2017، تم فتح أكثر من 500 الف وظيفة في مجال الإعلام الآلي، بينما عدد الخريجين كان 50 ألف فقط، ونفس الشيء في العالم العربي بما فيه الجزائر.
  • حدثنا عن تجربتكم في معهد “ماساشوتس” للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية؟
  • معهد “ماساشوتس” للتكنولوجيا هو المعهد الأول في العالم في مجال التكنولوجيا، التحقت به منذ بضعة سنوات للعمل في احدى فرق البحث هناك، أكثر شيء جلب انتباهي في المعهد، وجمع الباحثين هناك هو طموحهم العالي جدا ورغبتهم في تحقيق انجاز علمي كبير قد يعتبره البعض انجازا مستحيلا، طبعا في البداية بدا لي الأمر صعبا ولكن بعد مدة اكتشفت بأنه ربما لدى الكثير من الباحثين حول العالم بما فيهم الجزائريون نفس القدرات، وربما يكونون أفضل ولكن الفرق الأساسي بين أولئك وبين الباحثين في هذا المعهد أن هؤلاء لديهم أهداف وطموحات عالية يضعونها لأنفسهم ويعملون بجد للوصول إليها، وطبعا كل الوسائل متوفرة لهم وهذا ما يساعدهم كثيرا، ولكن في رأيي الطموح هو الأهم، فقد عملت في فرنسا ولم يكن الباحثون مثل الباحثين في هذا المعهد، ما أعجبني أيضا هو التعاون الكبير بين المعهد و كبرى الشركات، مثلا لدينا العديد من الأبحاث المشتركة مع شركات مثل جوجل، فايسبوك، ابل، مايكروسوفت…
  • حدثنا عن النشاطات والأبحاث التي قمتم بها، أو التي تقومون بها حاليا؟
  • أعمل أساسا في مجال تطوير لغات البرمجة والذكاء الصناعي، أبرز المشاريع التي أعمل عليها هي لغة برمجة جديدة، قام فريقنا بتطويرها، وهي أسرع مائة مرة من لغات البرمجة الموجودة حاليا وأفضلها، لغة البرمجة هذه يتم الآن استعمالها من طرف جوجل وفيسبوك من أجل برمجة أنظمة معالجة الصور والفيدوات وكذا أنظمة الذكاء الصناعي، كل شخص يشاهد فيديوهات على اليوتيوب أو يقوم بالتقاط صور بهاتف اندرويد، يقوم باستعمال هذه التكنولوجيا بشكل غير مباشر، وفي احدى المشاريع الأخرى كذلك نقوم بتطوير نظام يسمح للعلماء في مجال الفيزياء النووية باجراء تجارب أسرع من التجارب الحالية، مثلا النظام الذي قام فريقنا بتطويره يمكن علماء الفيزياء النووية بتسريع تجاربهم مائتين مرة، فبدل انتظار 200 يوم لانتهاء التجربة، تنتهي التجربة في يوم واحد وهو ما يمكنهم من اجراء عدد أكبر من التجارب بسرعة والتقدم في أبحاثهم بسرعة، وقد قمنا بعرض هذا البحث منذ أسبوعين فقط بالعاصمة واشنطن، ومن المشاريع كذلك التي نعمل عليها هو تسريع تقنية الشبكات العصبونية، وهي التقنية الأكثر تطورا اليوم في مجال الذكاء الصناعي، نقوم بتسريعها لكي يتمكن المستعمل من استعمالها على أجهزة الهاتف المحمول فتصبح أكثر ذكاء.
  • حدثنا دكتور عن المسابقات الوطنية أو الدولية والعالمية التي شاركتم فيها ؟
  • شاركت في مسابقات عديدة، فعندما كنت طالبا في الجزائر شاركت في مسابقة “كأس التخيل لمايكروسوفت”، و كان فريقنا من الأوائل، وأثناء اعدادي لشهادة الدكتوراه، شاركت في مسابقة دولية لطلبة الدكتوراة في سان فرانسيسكو، تحصلت على المرتبة الثالثة، وفزت مرتين بمدالية برونزية، وهذه المسابقة تكافئ مسابقة كأس العالم لطلبة الدكتوراة في تخصصي.
  • كيف ترى واقع الجزائر في مجال تطوير تكنولوجيات الاتصال؟
  • الجزائر خطت خطوات لا بأس بها في مجال تطوير تكنولوجيا الاتصال، وهذا شيء يجب تثمينه، و لكن مازال أمامنا أيضا الكثير من العمل لنصل الى مستوى منافسة الدول المتقدمة، لنعطي للقارئ مدى أهمية التطور في هذا المجال من خلال بعض الامثلة: 50 بالمائة من مداخيل الولايات المتحدة هو نتيجة لأبحاث، وأغلبها في مجال التكنولوجيا، وقد تم اجراؤها خلال الأربعين سنة الماضية، الهند أيضا بلغت مداخيلها في مجال التكنولوجيا 148 مليار دولار سنويا، شركة “تيسيرا” المتخصصة في الالكترونيات والتي يعمل فيها العالم الجزائري “بلقاسم حبة”، بلغت مداخيلها 300 مليون دولار سنويا، وذلك رغم أن عدد الباحثين فيها لا يتجاوزن خمسة باحثين، شركة “ديبمايند” ظهرت من خلال أربع أو خمس السنوات الماضية، تعمل في مجال الذكاء الصناعي تحتوي على 500 مهندس فقط، وقد تم شراؤها بحوالي مليار دولار، شركة “واتساب” تم بيعها بــ 19 مليار دولار، قام بانجازها شخص واحد فقط، شركة “لينكد ان” تم بيعها ب20 مليار دولار، … ، وبالتالي الاقتصاد المبني على المعرفة اليوم هو اقتصاد ضخم، واذا أرادت الجزائر أن يكون لها مكانة بين الدول المتقدمة يجب ان تتقدم في هذا المجال.
  • ما هو السبيل للنهوض بهذا القطاع قطاع الاعلام الالي في الجزائر؟
  • أول شيء لابد من رفع مستوى التعليم، من التعليم المتوسط إلى الثانوي وإلى الجامعي، لا يمكن بناء اي صناعة بدون يد عاملة عالية الكفاءة، وهذا لا يتحقق إلا بتعليم ذي مستوى عال، يتوازن بين الجانب النظري والعملي، ليخرج كفاءاة قادرة على الانتاج والمنافسة، ثانيا: الدعم المالي في الجزائر متواضع جدا، فأغلب الشركات في مجالنا تحتاج إلى دعم مالي من الخواص، وهذا ضعيف جدا في الجزائر، مما يحد من إمكانية بناء شركات ذات مستوى عال، إضافة إلى جوانب أخرى كالجانب القانوني، ونقص اليد العاملة المؤهلة ونقص دعم الدولة للقطاع الخاص.
  • هل لديكم مشاريع تعاون مع الجزائر؟
  • أقوم بالتدريس في الجامعات الجزائرية، حيث قمت العام الماضي بتدريس طلبة الماستر في المعهد الوطني للإعلام الآلي، وكان تدريسا مضغوطا مدة أسبوع كامل، كذلك قمت بتأطير سبعة طلبة من المعهد بالتعاون مع أساتذة من المعهد، وقد قام هؤلاء الطلبة بزيارة الولايات المتحدة للقيام بتربص قصير في شهر أفريل الماضي، كذلك نقوم باعداد ثلاثة أبحاث للنشر، قمنا بانجازها بالتعاون مع مخابر بحث جزائرية، كما أترأس أيضا جمعية “امتياز”، وهي جمعية أسستها بالتعاون مع زملائي من مهندسين وباحثين جزائريين في الخارج والداخل، هدفنا من خلال هذه الجمعية هو تحفيز الطلبة وتأطيرهم للوصول للتميز الوظيفي، كما نقوم بتنظيم تظاهرات ومحاضرات للطلبة، فمثلا خلال الثلاث سنوات الماضية قمنا بتنظيم حوالي 15 تظاهرة في جامعات مختلفة، حضر فيها اكثر من 100 محاضر و 2500 طالب، وقمنا بانتاج 6 فيدوات، شاهدها أكثر من 150000 جزائري، كذلك قمنا بتأطير أكثر من 10 طلبة، وذلك من خلال برنامج امتياز للتاطير.
  • تم الإعلان مؤخرا عن نتائج البكالوريا، كيف يختار الطلبة الناجحون تخصصهم ؟
  • إذا افترضنا بأن الطالب قد تحصل على معدل يسمح له ويعطيه الفرص في الاختيار، فأول شيء على الطالب مراعاته هو أن يختار مجالا يحبه، لأنه لن يتمكن من الابداع في مجال لا يحبه، وثانيا: عليه اختيار المجال الذي تكون فيه فرص العمل متاحة، كما عليه أيضا التعرف على المجال الذي يختاره من خلال البحث عبر الأنترنت، واسأل الناس الذين تخرجوا في هذا المجال الذي اختاره الطالب، وكذلك الاطلاع على البرنامج الدراسي، وفرص العمل في ذلك المجال لكي تكون لديه فكرة كافية عن المجال قبل اختياره.
  • نصيحتكم للشباب وللطلبة الجزائريين؟
  • لدينا فرصة كبيرة ومسؤولية تاريخية للمشاركة في بناء الجزائر، وقد ضحى أجدادنا من أجل تحريرها من الاستعمار، صحيح أن هناك الكثير من التحديات والصعوبات ولكن هذا لا ينبغي أن يمنعنا إطلاقا من القيام بواجبنا تجاه بلدنا وتجاه أمتنا، على الشباب الجزائري أن يثق في نفسه ويعمل بجد، ويتوكل على الله، ويثق في وعود الله لعباده، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الحكيم:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}، والله ولي التوفيق.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com