في رحاب الشريعة

مناسك الحج يوم النحر وأعمال الحجاج في الأيام المعدودات/ محمد مكركب

إذا دفع الحجاج من مزدلفة يوم العيد بعد صلاة الصبح وبعد ذكر الله عند المشعر الحرام، وقد علمنا أن الحجاج عندما يفيضون من عرفات بعد غروب شمس اليوم التاسع من ذي الحجة يفيضون إلى مزدلفة ويبيتون بها حتى يُصَلُّون الصبح فيها ويذكرون الله عند المشعر الحرام، كما أمر الله تعالى:﴿فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ﴾ (وكم من الحجاج لايُذَكَّرُون بذلك ولذلك فهم لايذكرون)، بعد ذلك يتوجهون إلى منى قبل طلوع الشمس وفق ما يتيسر لهم، يتوجهون إلى جمرة العقبة، لأداء واجب الرمي بعد طلوع الشمس، يرمونها بسبع حصيات يكونون قد جمعوها من مزدلفة أو من غيرها، ورمي جمرة العقبة من واجبات الحج، وكلمة واجب في مناسك الحج أن من لم يفعل ما يقال عنه واجب يترتب عليه ذبح شاة، وبعد رمي جمرة العقبة بعد طلوع شمس يوم النحر، ينحر المتمتعون والقارنون هديهم، والمفردون إذا تطوعوا لله إذْ لا يجب الهدي على المفردين، ثم يحلقون رؤوسهم أو يقصرون، والنساء يقصرن واجب عليهن كذلك. ثم إن استطاعوا نزلوا إلى المسجد الحرام لطواف الإفاضة، وهو الركن في الحج، وإن لم يستطيعوا جاز لهم البقاء بمنى حتى يرموا يوم الحادي عشر والثاني عشر الجمرات الثلاث لمن تعجل، والثالث عشر لمن تأخر. ومَن لم يطف يوم العيد فمتى نزل إلى المسجد الحرام طاف ولا يؤجل اختيارا. والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.

فأعمال يوم العيد بِمِنًى تكون بهذا الترتيب:1 ـ رمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس بسبع حصيات، كل حصاة بحجم حبة الحمص أو أكثر بقليل، ويكبر مع كل حصاة قائلا:[ الله أكبر]. 2 ـ نحر الهدي وهو واجب على المتمتع والقارن، ومن كان أناب من يذبح عنه هديه فإذا رمى جمرة العقبة اعتبر نفسه أنه نحر، فبعد الرمي يحلق. 3 ـ الحلق وهو واجب على كل الحجاج، والتقصير واجب على كل النساء الحاجات. قال الله تعالى:﴿وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ (2/196). 4 ـ طواف الإفاضة سبعة أشواط وصلاة ركعتين ككل طواف، والرجوع إلى منى للمبيت بها، والرمي أيام التشريق. وكل هذه الأعمال من الواجبات. فما هي الواجبات في مناسك الحج عموما التي إن تركها الحاج أو الحاجة وجب عليه أو عليها نسك (ذبيحة):1 ـ  الإحرام من الميقات، أي عقد نية الدخول في النسك أن يكون في الميقات المكاني لا يتعداه، فالإحرام نفسه أي نية الدخول في نسك الحج ركن لا يجبر بدم، وإنما الواجب الذي نتكلم عنه هنا هو أن يكون عقد النية والتلبية في الميقات. 2 ـ التلبية، تلبية النية{لبيك اللهم حجا} وتلبية الاستجابة  بالصيغة الكاملة:{لبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لاشريك لك}. 3 ـ المبيت بالمزدلفة ليلة النحر والواجب حط الرحال وصلاة المغرب والعشاء بها، ولإكمال الواجب يحسن البقاء إلى منتصف الليل، وإكمال السنة التامة مع الواجب المبيت إلى صلاة الصبح، وصلاة الصبح بمزدلفة والذكر والدعاء عند المشعر الحرام. 4 ـ رمي جمرة العقبة صباح العيد. 5 ـ  حلق الرأس أو التقصير. 6 ـ نحر الهدي الواجب على المتمتع والقارن. 7 ـ المبيت بمنى ليالي الرمي. 8 ـ رمي اليوم الأول والثاني من أيام التشريق.9 ـ ترتيب رمي الجمرات الثلاث الأولي فالوسطى فالعقبة. 10 ـ بدء الطواف من الحجر الأسود. 11 ـ المشي في الطواف للقادر عليه. 12 ـ الموالاة بين أشواط الطواف. 13 ـ ركعتا الطواف. 14 ـ وقوع السعي بعد الطواف.15 ـ المشي في السعي للقادر عليه. 16 ـ امتداد الوقوف بعرفة إلى ما بعد الغروب لمن وقف نهارا.17 ـ طواف الوداع واجب إلا على الحائض والنفساء. ففي الحديث. عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ] (مسلم:1327).

عمل اليوم الثاني للعيد، أي اليوم الحادي عشر من ذي الحجة وهو اليوم الأول من الأيام المعدودات، واليوم الأول من أيام التشريق. رمي الجمرات الثلاث بعد الزوال، يبدأ بالجمرة الصغرى التي تلي منى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، يقول:{الله أكبر} ويقف للدعاء بعد الرمي في الجمرة الأولى، ثم يواصل رمي الجمرة الثانية كالأولى ويقف للدعاء، ثم يرمي جمرة العقبة، ولا يقف عند جمرة العقبة للدعاء، بل ينصرف. وعمل اليوم الثاني عيد أي اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، وهو اليوم الثاني من الأيام المعدودات، يفعل كما فعل في اليوم قبله. فإذا تعجل (ويجوز له ذلك) ينزل إلى مكة، فإذا كان طاف يوم العيد فقد تم حجه، وإن كان لم يطف يطوف ولا يؤجل، وبعد غروب شمس اليوم الرابع للعيد يخرج إلى الحل كالتنعيم ويحرم بعمرة. فإذا أراد أن يخرج من مكة ليعود إلى بلده لا ينصرف حتى يطوف طواف الوداع. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

المبيت في منى ليلة الحادي عشر ذي الحجة وليلة الثاني عشر ذي الحجة واجب. ورمي الجمرات في الأيام المعدودات يكون بعد الزوال من كل يوم إلى ما قبل الغروب فمن لم يستطع فإلى منتصف الليل. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

كيف يصلي الحجاج في منى؟ يصلون كل صلاة في وقتها ويقصرون الرباعية. أما بعرفة فيجمع الحجاج بين الظهر والعصر، وبمزدلفة يجمعون بين المغرب والعشاء. والقصر في السفر للرجال والنساء سنة، ومن نسي أو لم يفقه ذلك وأتم الرباعية فصلاته صحيحة. قال القرطبي:{وقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أربع إلى اثنتين إلا المغرب في أسفاره كلها آمنا لا يخاف إلا الله تعالى، فكان ذلك سنة مسنونة منه} وفي الموطأ:{ قال يحيى، قال مالك: في أهل مكة. إنهم يصلون بمنى، إذا حجوا ركعتين، ركعتين. حتى ينصرفوا إلى مكة. وعن هشام بن عروة، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى الصلاة بمنى ركعتين(يعني الظهر والعصر والعشاء). وأن أبا بكر صلاها بمنى ركعتين. وأن عمر بن الخطاب صلاها بمنى ركعتين…قال مالك: وأمير الحجاج أيضا. إذا كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة، وأيام منى} (3/590) و(البخاري: 1657).

التكبير يوم العيد والأيام المعدودات بمنى: ورد في الموطأ (التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات. وأول ذلك تكبير الإمام، والناس معه. دبر صلاة الظهر من يوم النحر(يوم العيد). وآخر ذلك تكبير الإمام، والناس معه. دبر صلاة الصبح من آخر أيام التشريق. ثم يقطع التكبير) (1515) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

العمل في العشر الأول من ذي الحجة بالنسبة لكل المسلمين في أوطانهم وهي الأيام المعلومات، يستحب فيها عمل الخير، أولا: بالعناية بأداء الفرائض فيها كسائر الأيام، قال الله تعالى عن الأشهر الحرم كلها:﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ وبذل الجهد في التطوع عملا بالحديث، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:[ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟] قالوا: ولا الجهاد؟ قال:[ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء] ( البخاري:969). وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الأيام المعدودات أيام التشريق، والأيام المعلومات أيام العشر من شهر ذي الحجة، وهي أعظم أيام السنة؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من عشر ذي الحجة) ولا يجوز صوم يوم العيد اتفاقاً، ولا صوم أيام التشريق، إلا للمتمتع والقارن ممن لم يجد الهدي. ويستحب صوم اليوم التاسع من ذي الحجة أي يوم عرفة لغير الحاج، أما الواقفون بعرفة يستحب لهم الفطر ليتقووا على الذكر والدعاء.

المحافظة على الاستقامة في الحج وبعد الحج للفوز بالجنة. قال الله تعالى:﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبابِ﴾ (البقرة:197). وفي الحديث:[ مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ] (مسلم:1350).

وللتذكير قبل بداية أول ذي الحجة فمن السنن والآداب التابعة للأضحية. أن من دخل عليه ذي الحجة وهو يريد ذبح الأضحية أن لا يأخذ من شعره، أو أظفاره شيئا، وهذا ما جاء في الحديث. عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ] (مسلم:1977) والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com