الفتوى رقم:380/ محمد مكركب
الموضوع: شروط الطواف، ووضعية المرأة الحائض في الحج.
قالت السائلة: سجلت في رحلة الحج لهذه السنة ولكنني خائفة من أن أحْبَس بسبب الحيض، ذلك لأن دورتي الشهرية تطول إلى عشرة أيام أو اثني عشر يوما أحيانا، وقرأت من شروط الطواف الطهارة، فما هو حكم الحائض وكيف تفعل إن حاضت بعد الإفاضة من عرفات وطال حالها؟ ومعلوم أن تاريخ الرحلة لا يؤجل؟ وهل يجوز السعي بلا طهارة؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله رب العالمين.والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: الطواف بالبيت من أهم مناسك الحج والعمرة، وما زيارة البيت إلا للطواف والصلاة بالمسجد الحرام. قال الله تعالى:{وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[الحج:26] وقال عز وجل:{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[البقرة:125] فالله أمر بتطهير البيت وهي الكعبة وما جاورها من المسجد الحرام وهو المطاف، أي المكان أو الساحة التي يطوف الطائفون فيها. ثم أمر بأن من دخل المسجد ليطوف أن يكون طاهرا متطهرا جسدا وثيابا وقبل هذا إيمانا، والطائفون والعاكفون والراكعون والساجدون صفات العابدين في المسجد الحرام. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ومن شروط الطواف: الطهارة، وستر العورة، لأن الطواف مثل الصلاة في هذين الشرطين، وكون الطواف سبعة أشواط، وأن يكون الطواف داخل المسجد، ومن واجبات الطواف: بدء الطواف من الحجر الأسود، والمشي في الطواف على القادر، وركعتا الطواف أي كلما طاف الطائف سبعة أشواط يصلي ركعتين بهما يتم الطواف. وجواب السائلة: يقال لها: نعم، من شروط صحة الطواف الطهارة أن يكون الطائف متوضئا كوضوئه للصلاة. وللأمانة العلمية، فالطهارة عند بعض العلماء واجب من واجبات الطواف، ومنهم الحنفية، والفرق بين الشرط والواجب، هو أن الشرط لا يصح العمل إلا بتوفره ولا بديل عنه، والواجب في الحج يجبر بدم. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
فماذا تفعل المرأة إذا حاضت قبل الإحرام؟ المرأة الحائض أو النفساء إذا أرادت الحج ووصلت إلى الميقات أن تغتسل الغسل الكامل المعروف، ثم تستثفر وتشد على نفسها، وتفعل كل ما يفعله الحجاج إلا الصلاة فلا تصلي، وإذا وصلت إلى المسجد الحرام وكانت لا تزال حائضا فلا تدخل المسجد ولا تطوف حتى تطهر وهي على إحرامها في حجها ولها كامل الأجر كسائر الحجاج وفق أداء مناسكها، فإذا كان اليوم الثامن ولم تطهر، تصعد إلى منى ثم إلى عرفات مع الحجاج، ولا تكون معنية بطواف القدوم، ولا بالسعي بعده، وإنما تسعى بعد طواف الإفاضة، ووقوفها في عرفات بغير طهارة صحيح، ولها أن تدعو وتلبي وتستغفر، وكذا نزولها بمزدلفة، وفي منى ترمي الجمرات وتبيت، كل ذلك كسائر الحجاج. عملا بالحديث. فعن عائشة، قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، فلما جئنا سرف طمثت (أي: حضت)، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: [ما يبكيك؟] قلت: لوددت والله أني لم أحج العام، قال: [لعلك نفست؟] قلت: نعم، قال: [فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري] (البخاري:305) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: السعي بين الصفا والمروة لا يُشْتَرَطُ فيه الوضوء: ومعنى هذا فإذا طافت المرأة بالبيت، وصلت ركعتين وهي طاهرة متطهرة، ثم حاضت بعد ركعتي الطواف، فلتذهب إلى الصفا وتبدأ السعي بين الصفا والمروة أي تكمل سعيها، على غير طهارة وصح منها، مادام طوافها كان على طهارة. عملا بالحديث:[اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ] (البخاري:294) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: أما إذا حاضت المرأة بعد الإفاضة، من عرفات وقبل طواف الإفاضة، الذي هو الركن، فإنها تنتظر حتى تطهر وتغتسل، ثم تطوف، ووجب على وكالات الحج والعمرة أن يراعوا هذه المسائل وأن لا يجبروا من حبسها الحيض على الرحيل، بل يجب شرعا أن ينتظروها، وهذا هو الأصل في الشرع أي أن وكالة السفر تُمْهِل الحائض تنتظرها حتى تطهر وتتطهر وهي في راحة نفسية تامة وبعد أداء حجها على الوجه الأكمل، تشد الرحال للعودة إلى موطنها، ويُحْجَزُ لها مكان الإقامة والنقل، حتى وإن كان ذلك على حساب بيت مال المسلمين، أي أن الوزارة في زمننا هذا هي التي تقوم بالتكاليف لمثل هذه الحالات الاستثنائية. قال الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ووجه الاستدلال بالآية أن مساعدة هذه الحاجة من قبل كل المسلمين واجب، والمساعدة التي تريدها هذه المرأة التي حبسها الحيض أن تُمَكَّن من إكمال حجها على الوجه المشروع وبكل ارتياح. وفي الحديث. عن عائشة رضي الله عنها، أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: [أحابستنا هي] قالوا: إنها قد أفاضت قال: [فلا إذا] (البخاري:1757) ووجه الاستدلال بالحديث، قول الرسول صلى الله عليه وسلم: [أحابستنا هي] أهي مانعتنا من الرجوع في الوقت الذي أردنا التوجه فيه إلى المدينة؟ ظنا منه أنها لم تطف طواف الإفاضة (الركن) وقال: [أحابستنا هي] لأنه لو كانت ما طافت طواف الإفاضة ما كان يتركها ولا يأمرها بالتوجه معه وهي باقية على إحرامها، فلابد أن يقيم معها حتى تطهر وتطوف. وأما لو حاضت المرأة بعد طواف الإفاضة وقبل طواف الوداع، فلا يجب عليها طواف الوداع. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.