دروس الانتصار الجزائري/ عبد الحميد عبدوس
لقد فعلها إذن أشبال جمال بلماضي … محاربو الصحراء “غلبوهم قاع”، وتوجوا بالذهب بعد فوزهم في المباراة النهائية على منتخب السينغال أقوى الفرق الإفريقية في الترتيب الدولي للمنتخبات العالمية، وأضافوا النجمة الثانية إلى رصيدهم الكروي بعد 29 سنة كاملة من انتزاعهم اللقب القاري على أرض الجزائر في سنة 1990 تحت قيادة المدرب الراحل عبد الحميد كرمالي .
قبل حوالي شهر من انطلاق الدورة الثانية والثلاثين لمباريات كأس إفريقيا بالقاهرة، لم يكن الكثيرون يراهنون على حظوظ المنتخب الجزائري حتى في عبور الدور الأول من المنافسة، وكان المدرب القدير الشاب جمال بلماضي يتعرض إلى سيل من الانتقادات اللاذعة لاختياره لمجموعة من اللاعبين الذين كانوا يبقون في غالب الأحيان على دكة البدلاء، بل إن بعضهم غاب عن ميادين المنافسة لمدة طويلة على غرار حارس المرمى رايس مبولحي، والمهاجم إسلام سليماني، والمدافع عدلان قديورة. كما اعترض من يقدمون أنفسهم كخبراء في كرة القدم على استدعاء المدرب للاعبين ينشطون في بطولات عربية وآسيوية بحجة أن مستوى المنافسة في تلك البطولات لا يرقى إلى مستوى البطولات الأوروبية التي يلعب فيها كثير من الجزائريين المغتربين الذين لم ير جمال بلماضي فائدة في استقدامهم للمنتخب الوطني. وبعد الفوز الرائع في بطولة القاهرة أصبح الجميع يثنون على خبرة بلماضي وبعد نظره وذكائه وكفاءته التدريبية. فقط الأنصار كانوا كعادتهم واثقين في قدرة منتخبهم على الذهاب بعيدا بعناصره الشابة المقاتلة. إنه جمهور من ذهب يستحق دون شك الفرحة والانتصارات .
الفرحة بفوز المنتخب الجزائري بالكأس الإفريقية تحولت إلى حدث عالمي، وتخطت أجواء الابتهاج بالفوز القطر الجزائري إلى بلدان عربية وإسلامية وخصوصا في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية.
ففي أغلب مدن العالم احتفلت الجاليات الجزائرية بفوز المنتخب الجزائري وشاركهم مواطنو تلك الدول في بهجة الاحتفال بالنصر إلا في بلد واحد هو فرنسا العدو التاريخي للجزائر، فقد تصدت عناصر الشرطة الفرنسية للمحتفلين بالغازات المسيلة للدموع والقمع الشديد، ولم يبدأ القمع الفرنسي للمناصرين الجزائريين في فرنسا بعد نهاية المقابلة النهائية في ليلة الجمعة 19 جويليه، لقد كان ذلك التصرف هو دأب الشرطة الفرنسية مع كل احتفالات المناصرين عقب كل فوز للمنتخب الجزائري. بل إن الدولة الفرنسية جعلت من إفساد فرحة الجزائريين في فرنسا قضية دولة.
بعد خروج أفراد الجالية الجزائرية للتعبير عن فرحتها بتأهل المنتخب الوطني إلى نهائيات كأس إفريقيا للأمم، قامت عناصر الشرطة الفرنسية الاثنين 15 جويليه بمطاردة المناصرين الجزائريين في شوارع الشانزيليزي بباريس ونزع الأعلام الجزائرية من المحتفلين، وقامت بتوقيفهم واقتيادهم إلى مراكز أمنية. وذكرت صحيفة (لوفيغارو) الفرنسية أنه تم توقيف 282 مناصرا عبر عدة مدن منها باريس وليون ومرسيليا.
وغردت مارين لوبان زعيمة التجمع الوطني الفرنسي في حسابها على تويتر:” 282 عملية توقيف جراء الفوضى التي تسبب فيها مشجعون جزائريون: رقم مثير للقلق بمناسبة مباراة لفريق أجنبي”.
ولم تتورع زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي من تحميل المناصرين الجزائريين مسؤولية وفاة امرأة فرنسية في حادث مروري، وقبل أن يتوصل التحقيق في الحادث إلى تحديد هوية السائق مؤكدة:” وفاة ربة عائلة صدمها مناصر جزائري، هذا ما أوصلنا إليه تساهل الدولة وعدم تحرك كاستانر(وزير داخلية فرنسا) .
ورغم أن التحقيق كشف أن المتسبب في وفاة السيدة الفرنسية لم يكن جزائريا ولا مشاركا في احتفالات الفرحة بـتأهل المنتخب الجزائري، فقد حذا جزء من الإعلام الفرنسي حذو مارين لوبان في توجيه سهام الحقد والتحريض ضد الجزائريين، “282 عملية توقيف جراء الفوضى التي تسبب فيها مشجعون جزائريون: رقم مثير للقلق بمناسبة مباراة لفريق أجنبي”.
كما تمنى القيادي في حزب التجمع الوطني الفرنسي، جوليان اودول، أن تسحق نيجيريا المنتخب الجزائري لأن التغلب على الجزائر وهي الوسيلة الوحيدة حسبه لمنع خروج الأعلام الجزائرية في الساحات والشوارع الفرنسية.
واعتبر كريستيان شينو القيادي في حزب مارين لوبان ما حدث في 14 جويلية “أمرا مؤلما” واقترح غلق الساحات والشوارع الرئيسية بفرنسا عند كل مباراة للفريق الوطني الجزائري، ومنع التجمع بها.
وقد دخل فوز المنتخب الجزائري في كأس إفريقيا في صلب نقاشات النواب الفرنسيين تحت قبة البرلمان حيث دعا رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الجمهوريين التابع لرئيس الجمهورية الأسبق نيكولا ساركوزي، رئيس الحكومة الفرنسي إدوارد فيليب إلى التدخل لمنع احتفالات الجزائريين بسبب كثرة الحوادث التي تخللت احتفالات الجزائريين في عديد المدن الفرنسية.
ومن جهتها عبرت الممثلة السابقة نجمة الأفلام الإباحية العجوز بريجيت باردو المروجة لأفكار اليمين المتطرف عن “صدمتها” من مظاهر فرحة الجزائريين وقالت:” إنها مصدومة من تحول العيد الوطني الفرنسي (14جويلية) إلى عيد وطني جزائري”.
ووصل الأمر ببعض أعضاء اليمين الفرنسي المتطرف إلى مطالبة الشرطة الفرنسية بإطلاق النار على المحتفلين الجزائريين.
وعلى ذكر مواكب الأفراح البهيجة التي صنعتها مدن الجزائر، فقد تعرض للأسف بعض الجمهور المناصر للمنتخب الوطني قبل إتمام الفرحة بنيل كأس إفريقيا لمأساة حقيقية. ففي حدود الساعة الحادية عشر و47 دقيقة من ليل 14 جويلية 2019 ، وعلى الطريق الوطني رقم 43 المار ببلدية سيدي عبد العزيز دائرة الشقفة ولاية جيجل تحول طوفان الأفراح الذي عم جميع أحياء ولاية جيجل بعد تأهل المنتخب الوطني لنهائي كأس إفريقيا إلى مأساة حقيقية وخيمت مشاعر الحزن والأسى على كل سكان ولاية جيجل نتيجة المجزرة المرورية التي حصدت أرواح خمسة شباب من مشجعي المنتخب الوطني، كما تسببت في جرح 15 آخرين ممن دفعتهم فرحة الانتصار إلى الخروج للمشاركة في مواكب الاحتفالات الشعبية التي عمت كل مدن الجزائر بعد فوز رفقاء النجم رياض محرز على منتخب نيجيريا القوي. أعمار ضحايا الحادث المأساوي كانت تتراوح ما بين 12 و22 سنة.
بلدية سيدي عبد العزيز المنكوبة، لم تلتفت إليها وسائل الإعلام الوطنية، بل ظلت تنقل أجواء الفرحة والاحتفالات من مختلف مدن الجزائر وحتى من فرنسا، بدوره وزير الشباب والرياضة رؤوف برناوي، الذي حل ضيفا على نشرات الأخبار باللغة العربية والفرنسية على قنوات التلفزيون سهرة الاثنين 15 جويلية بعد مرور يوم كامل من وقوع المأساة لم تصدر عنه كلمة تعزية أو عبارة مواساة لعائلات الضحايا ، رغم أن الخبر كان قد انتشر في كل ولاية جيجل والمدن المجاورة لها. وزير الشباب والرياضة الشاب الذي ينتمي إلى وسط رياضي ويدرك بلا شك أهمية مشاعر المناصرين في ميدان الرياضة ظهر بلسان من خشب وقلب من حجر، وأثار استياء وغضب سكان سيدي عبد العزيز.
صحيح أن هذه البلدية الساحلية الجميلة لم تتعود احتلال صدارة الأخبار الوطنية، ولم تتعود إثارة قلق المسؤولين والسلطات الجزائرية بمظاهر التمرد على النظام العام وقطع الطرق وإحراق عجلات السيارات وغلق مقرات البلدية ومصالح الإدارة وتنظيم الاحتجاجات والاعتصامات مثل ما يحدث في بلديات أخرى، ولكن هذا لا يعني أن سكان البلدية المجاهدة هم أقل بأسا وألين مراسا من سكان البلديات ” المشاغبة”.
المدرب جمال بلماضي، ونجوم المنتخب الوطني على غرار قائد المنتخب الوطني رياض محرز، ويوسف بلايلي، وإسماعيل بناصر، تداركوا الأمر وقدموا تعازيهم لضحايا مأساة سيدي عبد العزيز، ووعدوا بإهداء الفوز إلى أرواحهم. إنا لله وإنا إليه راجعون.
والملاحظة الجديرة بالتسجيل هي أنه كلما تحررت إرادة الجزائريين أصبحوا على موعد مع الانتصارات والإنجازات اللائقة بمواهب الجزائريين وقدراتهم الباهرة . ففي سنة 1990 تحرر الجزائريون من سلطة الحزب الواحد والدولة المستبدة واستعادوا حرية اختيارهم السياسي بعد صدور دستور فيفري 1989 وصنع الجزائريون الحدث من خلال تنظيم انتخابات بلدية حرة ونزيهة فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ المعارضة على حساب الحزب الحاكم حزب جبهة التحرير الوطني .
وبعد الحراك المبارك في فيفري 2019 تحررت الإرادة الشعبية، ولم تعد السلطات السياسية هي من يختار من يشارك في المنتخب الوطني ومن يجب تهميشه واستبعاده من التألق، وأصبحت أمور الفريق الوطني بيد الناخب الوطني الذي يختار لاعبيه ويتحمل مسؤولية اختياره فعادت الأمور إلى نصابها. ولعل فرصة الحوار الوطني التي أصبحت خيارا وطنيا للخروج إلى بر الأمان والاستقرار بانتخاب رئيس يمثل حقيقة الإرادة الشعبية في القريب العاجل بإذن الله.