مخاوف مشروعة !!/ التهامي مجوري
العادة في بلادنا أن شهري يوليو وأغسطس للإجازات والعطل، وكان ذلك حتى في عز الأزمة التي شهدتها البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي، حيث كانت الحكومة تغيب عن الساحة إلى غاية الدخول الاجتماعي، ولكن بحكم أن الوضع غير الطبيعي ما كان له أن يفرز من الأمور إلا ما كان من جنسه، فكانت تلك الإجازات في الغالب مصحوبة بأحداث دامية من صناعة خبراء اللاعبين وبالشعوب.
وهذه الأيام نعيش حالة من التأهب لدخول مرحلة جديدة من إفرازات الحراك الشعبي لتحقيق مطالبه، ومنها على سبيل المثال الاستعداد لعملية الحوار الوطني، التي بدأت تظهر بعض بوادره في الأفق على الأقل ببُدُوِّ الاستعدادت الظاهرة في تحركات الطبقة السياسية، ثم كيف يكون هذا الحور؟ ومدى صدقية من يقوم به؟ وما مستوى ما يمكن أن يحققه من مكاسب للشعب؟ كل ذلك لا يزال في طي العدم، ولا يستطيع أن يتكهن به أحد.
وهذا التأهب مصحوب بالدخول في مرحلة الإجازات والعطل، وممزوج “بسَكْرة” فوز المنتخب الوطني وحصوله على كأس إفريقيا، ومحفوف بتربص المتربصين من هنا وهناك من الذين لم يخفوا معاداتهم لكل أصيل في البلاد.
إن المتربصين بالجزائر لا حيلة لهم إلا استغلال الفرص المتاحة، لا سيما عندما يكون هناك توجه وطني صادق التصميم على الحوار بين الجزائريين، ولنا في تجربة تسعينيات القرن الماضي المثل الكبير، حيث كانت أكثر المراحل دموية هي فترة فتح أبواب الحوار، بجميع أشكاله ومضامينه، عندما جيء بالجنرال لمين زروال ليحل محل خالد نزار في وزارة الدفاع، ثم ليتولى رئاسة الدولة، لينتخب رئيسا للجمهورية بعد ذلك.
على أن الرئيس لمين زروال كان محسوبا على الجناح الوطني، التيار الذي لبى الحوار والمصالحة الوطنية، على خلاف نزار وجماعته المحسوبين على الاستئصال.
وما دام التيار الغالب هو تيار الحوار الوطني والمصالحة، كان لابد من أن يكون رد فعل القوى المعادية للتيار الوطني المحافظ، فتقوم بكل ما يحقق مآربها أو يعطل كل فعل مضاد لها…، وقد استمر هذا الصراع إلى أن وصل إلى المستوى الذي يعلمه الجميع، حيث كانت النتيجة أن أزمة الجزائر كلها اختزلت في جهة واحدة هي “المجرم والضحية في نفس الوقت”، أما صناع الرعب الحقيقي في البلاد، فقد واصلوا عملهم بلا حسيب ولا رقيب، وربما بحماية وفرتها لهم العصب المسيطرة على مفاصل الدولة العميقة.
إننا اليوم لحسن الحظ في واقع مختلف في الكثير من تفاصيله، وهو أن التيار الغالب في السلطة والطبقة السياسية عموما، هو التيار المعبر عن رأي الشعب ومواقفه وطموحاته، ولكن الخوف يبقى مشروعا؛ لأن الفئات الفاسدة لا تزال تعمل بكل ما أوتيت من قوة من أجل حرمان الشعب من فرحته التي جاهد من أجلها عشرات السنين.
أذكر في سنة 1999، عندما كان الشعب يتأهب لدخول مرحلة جديدة، بانتخابات رئاسية كان لها الفضل الكبير في كسر جدار الخوف، الذي فرضته أزمة التسعينيات، أوعز تيار سياسي معين لجماعات الدفاع الذاتي في منطلقة القبائل خصوصا، بأن لا يسلموا أسلتحهم وإنما يحتفظوا بها.. فكتبت يومها عمودا تعليقا على هذا الخبر المسرب، وقلت يوجد في هذه البلاد فئة لا تريد للجزائر أن تهنأ، فاستدعي مدير الجريدة يومها وقيل له من أين جئتم بهذا الخبر؟ وبعد نقاش مع السيد المدير قيل له كنا نعلم يهذا الخبر، ولكن ما كنا نتوقع أن يخرج عن طريقكم!! أي كانوا يتوقعونه من جهة أخرى وهي إعلامهم الذي يهمين على الساحة.
والخوف ليس على الشعب من تحريف مساره، إنما الخوف من التأثير على الساحة السياسية وعرقلة مسارها، بتوسيع دائرة سوء الظن بين الأطر السياسية، وبالتشكيك في كل شيء يأتي هذه الجهة أو تلك، وبتعطيل المساعي من حميع الجهات، وربما إذا استدعى الأمر أن تنقل هذه الفئات المفسدة إلى فرض العنف على السلطة أو على الشعب، وكل ذلك ممكن الحصول –لا قدر الله-؛ لأن الهدم أسهل بكثير من البناء الذي يتطلب الجهود الكبيرة لتحقيق المكاسب القليلة.
إن التفاؤل مهم ولكن في المجال السياسي لا يسعنا إلا أن نستحضر التشاؤم ولو بقدر يسير؛ لأن طبيعة الصراع بين الحق والباطل، وبين الفضائل والرذائل، باق ومستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والخصم السياسي مهما راعيت شعوره وتنازلت له، يبقى دائما مثل جهنم تقول لها هل امتلأت فتقول لك هل من مزيد؛ لأنه ببساطة، يشعر بضعفك أكثر مما يحس بمراعاة شعورك.