ماذا وراء فوز المنتخب الوطني بكأس إفريقيا…؟/ محمد العلمي السائحي
لا خلاف على أن فوز المنتخب الوطني بكأس إفريقيا للمرة الثانية في دورة 2019، كان فوزا مستحقا، وأنه جاء ثمرة عمل جاد وجهود مبذولة بسخاء، وأن الذي ساعد عليه هو حب الوطن، وحرص الناخب الوطني وجميع أعضاء الفريق، على تشريف الراية الوطنية في هذا المحفل الرياضي القاري، وهذا الإنجاز الرياضي الهام يحتاج منا أن نتوقف عنده لنجري عليه قراءة تساعدنا على استخلاص ما ينبغي استخلاصه منه من عبر ودروس، يمكن الرجوع إليها واستلهامها لتحقيق النصر في الميادين الأخرى غير الرياضية، كالسياسة والاقتصاد، والصناعة والزراعة، والتعليم والصحة إلى غير ذلك من الميادين الأخرى، التي تستحق الاهتمام بها، والالتفات إليها، والتي يكون تحقيق الفوز فيها أجدى على الأمة وأنفع لها مما قد يحقق من انتصارات في الميدان الرياضي، خاصة إذا علمنا أن الانتصارات الرياضية التي نحرص عليها، تهدف أساسا إلى تقوية الإرادات وشحذ الهمم حتى تقوى على النهوض بما يناط بها من مسئوليات جسيمة في الميادين الأخرى.
ولو عمدنا إلى هذه القراءة المقترحة لوجدنا الآتي:
1ـ أن الناخب المحلي ليس أقل كفاءة من الناخب الأجنبي، وأن كل التعويل ينبغي أن يكون على شخصية الناخب وخبرته، لا على جنسيته فجمال بالماضي تمكن من بناء منتخب وطني متناغم ومنسجم لأنه احتكم إلى جملة من المقاييس في ذلك أغفلها الآخرون ولم يعيروها انتباههم، ولا أعطوها ما كان يجب أن تلقاه من اهتمام، من ذلك:
. استلهم خبرته كلاعب في الأندية الأوروبية في التقريب بين اللاعبين وتحقيق ما ينبغي توفره من انسجام بينهم، كمنتخب يعمل لغاية مشتركة.
. أحسن توظيف الانتماء الوطني والديني في تحقيق الانسجام بين اللاعبين الدوليين واللاعبين المحليين.
. لم يتهاون قط في عملية الانضباط مما جعل اللاعبين يلتزمون بتوجيهاته وتعليماته حرفيا ولا يخرجون عنها، وذلك وقف سدا منيعا دون تدخلات الأطراف الخارجية وحال بينها وبين التأثير على المنتخب.
2ـ لا يعول في تحقيق النصر على الجانب البدني والتكتيكي وحده بل ينبغي أن يرافقه الاهتمام بالدعم المعنوي، وبناء الجانب النفسي للاعبين، وهذا هو ما ركز عليه جمال بالماضي في بناء هذا الفريق، فقد وضح لهم أنهم ينتمون لوطن وأن لهم تاريخا وانتماء حضاريا ودينيا، وأن هذه الحقائق تترتب عليها بالنسبة لهم التزامات وواجبات عليهم أن ينهضوا بها على خير وجه، وهذا واضح من أمرهم بالسجود لله بعد تحقيقهم الفوز على السنغال، وكأنه يذكرهم بقوله تعالى:{وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ} وأن النصر في هذه الدورة كان للإسلام، لا لغيره.
3ـ الاهتمام والجدية في التعامل مع الأحداث والمواقف، والعناية بكل التفاصيل، وقد كان ذلك واضحا للعيان من حرص المدرب جمال بلماضي على متابعة المقابلات ثانية بثانية وإصدار التعليمات أولا بأول ما جعل اللاعبين يحسنون التكيف مع متطلبات المقابلات أولا بأول.
نخلص من هذه القراءة على أن الذي يضمن الفوز والنجاح والتفوق في أي ميدان من الميادين هو الصرامة والجدية والاستعداد والشحن المعنوي والدعم النفسي والقدرة على فهم الآخر والتأثير فيه، وذلك ما نجح فيه تحقيقه جمال بلماضي في حين فشل فيه الآخرون أجانب كانوا أو محليين…