على هامش الحراك الحراك وصناعة الفراغ/ عبد العزيز كحيل
عندما يصرّون على الشعارات المثالية ويرفضون المبادرات التوافقية مهما كان مصدرها فإنما يسيرون بالبلاد نحو الفراغ…هذا شأن أقلية نصبت نفسها وصية على الحراك… إنهم يفرغون الحراك من محتواه والبلاد من الأمل ويطيلون بالتالي عمر الأزمة، وفي النهاية يصبّ موقفهم هذا في صالح الدولة العميقة وأجنْدتها.
كل الأزمات تنتهي بالحوار والتفاوض أي بجلوس الأطراف المتخاصمة على الطاولة للبحث عن القواسم المشتركة مع تقديم تنازلات متبادلة عند الاقتضاء…هذه هي الواقعية وهذه هي السياسة، لذلك لها أهلها، أما صناعة الفراغ فيُحسنها كل أحد له صوت مرتفع واستعداد لتخوين الشرفاء وشيطنة جميع مكوّنات الجزائر على اختلافها لأنها ليست نسخة طبق الأصل منه.
فئة قليلة العدد كثيرة الصراخ تنذر بإفشال الحراك الذي منحنا الحرية وأعاد لنا الأمل في مستقبل مزدهر، وذلك من خلال ادعاءات وأحكام جائرة مثل:
– قيادة الجيش لم تنجز شيئا.
– المحاكمات مسرحية.
– المعارضة كلها أحزاب كرطون.
– جميع الجمعيات مصنّفة مع السلطة الفاسدة (حتى جمعية العلماء !!!).
– لا وجود لشخصيات وطنية نزيهة، كلهم أبناء النظام ومرفوضون مثله.
– حتى المشاركون في الحراك منذ اليوم الأول أكثرهم منافقون.. لماذا؟ فقط لأنهم يختلفون معهم في تفاصيل حلّ الأزمة.
– بدل تقديم اقتراحات واقعية يفضلون اتباع الأوهام يركّزون على المطالب التعجيزية.
– رفع الشعارات الهوجاء التي تفسد ولا تصلح وتفرق الصف وتجعل الأصلاء ينسحبون، شعارات ليس فيها سوى التهجم على الأشخاص وتجريح الهيئات.
هذا واقعنا مع الأسف….والحلّ هو صناعة البدائل الواقعية والإسراع بتجسيدها مع جميع الفاعلين النزهاء بدل صناعة الفراغ.
- حال الأقلية التغريبية:
– أتباع هذه الأقلية الايديولوجية ينادون بالدولة المدنية وهم بالذات الذين أسسوا الدولة العسكرية في التسعينيات وغوّلوها وطبّلوا لها وحرسوها .
– يقولون لا للدولة العسكرية وهم الذين رشحوا الجنرال غديري والتفوا حوله وزكوه بقوة.
– يدّعون التنصل من حقبة بوتفليقة ويتأسسون بالعشرات للدفاع عن رؤوس الفساد المعتقلة الذين هم القاعدة الصلبة لذلك النظام.
– يزعمون أنهم مع دولة القانون واستقلال القضاء وينظمون مسيرات للمطالبة بإطلاق سراح “السجناء السياسيين”- يقصدون رؤوس الفساد وبعض المتابَعين جنائيا في وضح النهار – أي يتدخلون في عمل القضاء ويسيّسون القضايا الجنائية.
– يسمون أنفسهم ديمقراطية ويرفضون الانتخابات لأنها تفرز حكم الأغلبية، ويتهربون من الحوار(حتى مع المعارضة) ويتشبثون بالحلول غير الدستورية (فترة انتقالية طويلة أو غير محدودة ليفرضوا رؤاهم عبر الطرق الأخرى غير الصندوق.
– يردّدون الجزائر “حوووورة ديمقراطية” وهم يريدونها فوقية عنصرية الانتماء فرنسية اللسان دكتاتورية المنهج غربية الروح…بعيدة كل البعد عن الحرية والديمقراطية.
- لماذا أقول لا للفرنسية؟
مثل أبناء جيلي كانت دراستي بالفرنسية، وعملتُ زمنا طويلا في الإدارة وهي مفرنسة بالكامل، وما زلت أكتب المقالات والمؤلفات بها، لكني أدعم بقوة اتخاذ الإنجليزية لغة أجنبية أولى، لماذا؟ يحقّ للفرنسيين الافتخار بهذه اللغة العالمية التي أنجبت موليير وفولتير وفكتور هوغو وغيرهم من أقطاب الأدب العالمي لكن الجزائريين يعلمون أنها بالنسبة لهم ليست أداة تواصل مثل باقي اللغات لكنها – بفعل الأقلية التغريبية المتحكمة منذ الاستقلال – أداة مسخ حضاري وتبعية ثقافية سياسية لفرنسا، بها تغطرس علينا الفرنكوبربريست واحتقرونا نحن “الأهالي”.
أرادوها ضرّة للعربية وسلاحا ضد الإسلام ووسيلة للهيمنة على الشعب، هؤلاء فرنسيون أكثر من الفرنسيين وتغريبيون أكثر من الغربيين، لا يهمهم التقدم والرقي وإنما ينحصر همهم في فرض العلمانية ونمط العيش الفرنسي…الفرنسية هنا إذًا إهانة للشعب وهيمنة فكرية وليست “غنيمة حرب” كما يرددون بل أداة حرب ضد الأغلبية المسحوقة من طرف الأقلية الساحقة، هي أداة لتبقى الجزائر متخلفة ذليلة لا تبتكر ولا تبدع ولا تنجز.
هذا إلى جانب تراجع الفرنسية علميا وعالميا أمام الإنجليزية.
لهذا أؤيد الإنجليزية، ويبقى هَوايَ عربيا إسلاميا قبل وبعد كل شيء.