هنيئاً لكم يا ضيوف الرحمن/د. يوسف جمعة سلامة
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.
إننا نعيش في ظلال أيام مباركة من شهر ذي القعدة، حيث يستعد الحجاج للتوجه إلى مكة المكرمة، مستجيبين لدعوة أبيهم إبراهيم – عليه الصلاة والسلام-، وليحظوا ببركات أداء فريضة الحج والطواف بالكعبة المشرفة، وزيارة مسجد الحبيب – صلى الله عليه وسلم -، فإذا أكرمك الله بالوصول إلى تلك الربوع الطاهرة، وملأتَ عينيك من تلك الرياض على ساكنها -أفضل الصلاة والسلام-، فتأدب مع صاحبها وتقدم لزيارته بلطفٍ وسلّم عليه حيث أمكنك السلام، واشتغل ما دمتَ هناك بفرضك الذي جئتَ من أجله، واعلم أن ركعة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تساوي في الفضل ألف ركعة فيما سواه، فإذا ذهبتَ إلى مكة المشرفة وكنتَ في جوار الله وفي ضيافته فحيِّ بيته أولاً بالطواف، واستكثر من الصلوات بلا كَلَلْ، واعلم أن ركعة في بيت الله الحرام تساوي في الفضل مائة ألف ركعة فيما سواه، واخفض من صوتك واغضض من بصرك وأحسن لمن أساء إليك، وكن كالنخلة يقذفها الناس بالحجارة وتُلقي إليهم الرطب الجني، وإن استطعتَ أن تكون خادماً للضعفاء وعوناً لذي الحاجة، فلا تبخل بما أعطاك الله من صحة ومال، فإنّ من أجل مناسك الحج التعاون على البرِّ والتقوى.
فضل الحج والعمـرة
الحج ركن من أركان الإسلام وهو فرض على المستطيع بدنياً ومالياً، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، وقوله- صلى الله عليه وسلم -:( بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ )، وهو واجب مرة واحدة في العمر، لما رُوي عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال:( أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا، فقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاثًا، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ ، لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ، ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ )، كما جعل الله سبحانه وتعالى الجزاء العظيم لمن حجَّ بيته العتيق حجاً مبروراً بأن يغفر له ذنوبه، فالحج من أفضل العبادات وأجلّ الطاعات.
كما أن العمرة عبادة عظيمة فيها منافع كثيرة، نذكر منها: أنها تنفي الفقر والذنوب، فعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَلَيْسَ للْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إلا الْجَنَّةِ)، وروي عن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:( العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةَ).
توجيهات لضيوف الرحمن
لقد رأيتُ -وموسم الحج قد أقبل- أن أساهم بقلمي المتواضع في بعض التوجيهات أُسْديها لأحبائي ضيوف الرحمن، فإذا أردتَ أخي الحاج: أن يكون حجك مبروراً ليصدق عليه قول الرسول الأكرم – صلى الله عليه وسلم-: ( الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ)، فعليك أن تتأدب بآداب الحج وواجباته وهي كثيرة، وحسبك أن نذكر منها:
الإخلاص لله تعالى، والتوبة إليه سبحانه وتعالى، وقضاء الديون، وكتابة الوصية، وردُّ المظالم لأهلها، وتعلّم أحكام الحج والعمرة، والحرص على أن تكون النفقة من المال الحلال الطيب، ووداع الأهل والأحبة، والبحث عن الرفيق الصالح، والإكثار من الدعاء لقوله – صلى الله عليه وسلم – 🙁 الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ).
بشائــر لضيــوف الرحمــن
وبهذه المناسبة الكريمة يسعدني أن أُبَشِّر أحبائي من ضيوف الرحمن في هذا العام ببعض المناقب والفضائل التي اختص الله بها الحجاج الكرام، ومنها:
* الحج يهدم ما قبله:
عن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال:( فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ فِى قَلْبِى أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِى، قَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ : تَشْتَرِطُ بِمَاذَا ؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِى، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟).
* الحج جهاد:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال:( جِهَادُ الْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ، وَالضَّعِيفِ، وَالْمَرْأَةِ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ).
* الحج من أفضل الأعمال عند الله عز وجل:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال : سُئل النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – 🙁 أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ : إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: ثُمَّ حجٌّ مَبْرُورٌ ).
* النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله:
عن بريدة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- 🙁 النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الدِّرهَم بسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ).
* الحاج مُعان:
عن أبي أمامة ووائلة بن الأسقع قالا: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- 🙁 أرْبَعَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَوْنُهُمْ: الْغَازِي، وَالْمُتَزَوِّجُ، وَالْمُكَاتِبُ، وَالْحَاجُّ).
* الحاج مغفورٌ له:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:( مَن حَجَّ فَلَم يَرفُث ولَم يَفسُق رَجَع كَيَوم ولَدَتهُ أُمُّهُ).
إذاً مَنْ أراد أن يخرج في حجّه من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ فليضبط نفسه بالأخلاق العظيمة الفاضلة.
* يُغْفَر لمن يَسْتغفرُ له الحاج:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ ).
* الحاج يفرح بيوم عرفة:
عن عائشة- رضي الله عنها- : أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال:(مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ).
* الحاج من أهل الجنة:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال:( العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةَ).
لذلك يجب عليك أخي الحاج حتى يكون حجك مبروراً وسعيك مشكوراً وذنبك إن شاء الله مغفوراً، أن تتعلم كيفية الحج، وأن تسأل عن أمور دينك، امتثالاً لقوله تعالى :{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، كما يجب عليك أن تقتدي بحجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ).
نسأل الله تعالى للحجاج الكرام حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً، وتجارة لن تبور
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين