الإصابة في تساقط العصابة/ أ. د. عبد الرزاق قسوم
أحكي لكم- يا أصدقائي الطيبين- حكاية المعذبين، والمشردين، والمضطهدين، من أبناء أرضنا الخصيبة، التي تنبت كل نبتة عجيبة.
إنه مسلسل “الغَلابة”، الذين وقعوا في قبضة العصابة، التي دجّنت الجموع، وباعت الربوع، وأطفأت كل الشموع، وزرعت في أرضنا الطيبة الخراب والدموع.
إنها الأقلية التي اختطفت إرادة الملايين، فشوهت وجه الجهاد والمجاهدين، وأمعنت في أكل قوت العاملين، وحولت أموالهم إلى جيوب المفسدين، ونصبت أذنابها-بالجور- حاكمين، وللعدو خاضعين، فأفسدت علينا حتى الدين.
هذه- إذن- بداية مسلسل جزائر العلماء والشهداء، والصلحاء، والعقلاء، والحكماء، التي عبثت بها العصابة، وكادت تجعلها خرابا يبابا.
ولولا أن قيض الله، للجزائر العِراك في الملعب، والحراك في الموكب، والتوحيد في المقصد والمذهب، لسقطت الجزائر بين فك الذئب، ومخلب الثعلب.
لقد أيقظنا الحراك من سباتنا العميق، وأنقذنا من درك سحيق، وها نحن- والحمد لله- قد وعينا المكر السيئ المحيق، عندما صرنا نشاهد أفراد العصابة، التي تآمرت على الوطن العريق يساق أفرادها إلى غياهب السجون، الرفيقة والرفيق.
عجبا، لأناس كنا نعدهم من الأخيار ونحسبهم، في الوطنية من الأطهار.
ولكن التجربة والقضاء، أثبتا أنهم كانوا من الأشرار، من المتسببين في كل الأضرار، ويح الجزائر مما ألحقه بها أبناؤها، الذين أوكل إليهم أمر قيادتها، والذود عن سيادتها، وحماية إرادتها، ولكنهم، لسوء طبع جبلوا عليه، عبثوا بعبادتها، وسلموا للأحنى أمر قلادتها، ونزعوا من الأساس وسادتها وسعادتها.
فهل تبزغ شمس التغيير على بلادنا، من بعد ما يضطلع به شباب إعادة البناء، وجيل السمو والإعلاء، فتضمد جراح أبنائها، ويرمم خلل اقتصادها، ويعاد دور ريادتها- بين الأمم- وفقا لما يقتضيه سؤددها، ويطمح إليه الخيّرون من أولادها.
آن الأوان- بعد عهد الظلام السياسي، ومرحلة التنابز بالكراسي أن نعيد الاعتبار- في بلادنا- للمقوّم الرئاسي، فتنقذ الوطن من كل المآسي، ونرجم- بالعدل- كل وسواس خناس.
إننا شعب، يملك كل مقومات الحياة من الطيبين في كل الفئات، إلى الخيرات الصالحات المصلحات، ومن الذائدين عن الوطن بالسواعد والأقدام، إلى المناضلين بالعِلم في المخابر، وفي مختلف وسائل الإعلام.
هل يمكن أن نطمئن، في ظل التحولات التي يعيشها وطننا، أن نُطَمْئن المجاهدين من علمائنا، والخالدين، من شهدائنا، والصاعدين من أبنائنا، أن الجزائر قد تحصنت بالوعي، فلن يجدى من العصابة أي سعي؟
إن الإجابة عن مثل هذا السؤال مرهون برصِّ الصفوف، وإزالة مظاهر الخوف والاتفاق على الثوابت التي تضمن للأمة عدم الوقوع من جديد في درك الخوف.
نريد لشعبنا، بكل طوائفه وفئاته، أن يتسلح بالإيمان، والوطنية، فلا يولى أموره، من تشوبه أية شائبة في التعامل مع الرعية.
ونريد لشعبنا، أن يتحصن بعوامل البناء المضادة للزلازل، من دين، وثقافة، ووحدة، وقيم، فلا يمكن، من التسلل إلى صفوفه، كل ناعق بالفرقة، وكل مخاتل أو خاذل.
إن الإرث الوطني قد اشتركت في بنائه وإعلائه، جهود أبناء كل الجهات، وساهم في سقي شجرته دم كل الفئات من مختلف المستويات.
عار على الجزائر، اليوم أن تعيد الحديث عن عوامل وحدتها، وقد حُسم أمرها بالهم والدم، وقضى على بقايا آثارها بالعلم والفهم.
فالعلم الوطني المحدد هو رمزنا، والإقليم القوي الموحد هو مجدنا، والمطلب الشمولي المسدد هو مقصدنا، فلا إقليمية، ولا انفصالية، ولا منصبية، أو عصبية، أو نعرة طائفية.
ما كنا نريد- شهد الله- أن يصاب أي مواطن بشر، أو أن يمس أي جزائري بضر، ولكن ما المفر،إذا كان راعيها، وحاميها، هو الشيطان الأكبر، وقائد العصابة الأخطر؟
نحن مجبرون، لا مخيرون، على قلب صفحة الماضي الأسود الغابر، وبدء صفحة الفجر الأبيض القاهر، سنجلي وجه جزائرنا الجميل المطل، فنخلص اقتصادنا من براثن الاستغلال، والتبعية، والذل، ونبوّئ إنساننا الجزائري أعلى مكان تحت الشمس وفي الظل، فيتحرر من كل انسلاب ثقافي، مذل، ويغدو نوره مشعا كنور الهلال إذا أطل.
ويومها، نطمئن شهداءنا، وعلماءنا، وكبراءنا، بأن الجزائر الجديدة الوثابة قد حطمت كل قيود العصابة، وأرست دعائم النهوض ذي الأشعة الخلابة.
بشراكم يا أصدقائي الطيبين، بأننا لن نكون- بعد اليوم- غافلين، وبالقابلية للاستعمار والتبعية متسمين، لقد ولدنا من جديد، بالحراك الشعبي مبشرين وبالوعي الوطني، مزودين، والويل كل الويل لمن لم يع الدرس، من بقايا السذج المغفلين، أو علماء العصابة المفسدين.