وحدة الصف الفلسطيني كفيل بإسقاط مؤامرة ” صفقة القرن “/ عبد الحميد عبدوس
مازالت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متمسكة بخطتها المخزية (صفقة القرن) رغم الرفض المتصاعد لهذه الخطة التي وضعت لتصفية القضية الفلسطينية وإضفاء “شرعية” الأمر الواقع على الاغتصاب الصهيوني للأراضي الفلسطينية، فقد كشف المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، يوم الجمعة 12 جويلية الجاري أن الإدارة الأمريكية يمكن أن تنشر الجزء السياسي من “صفقة القرن” قبل الانتخابات الإسرائيلية المقررة في سبتمبر المقبل.
وطالب السلطة الفلسطينية الانخراط مع إدارة البيت الأبيض في جهود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لتحقيق “صفقة القرن”.
وكان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، قد أكد من رام عاصمة السلطة الفلسطينية، يوم الخميس 11 جويلية الجاري أن الإدارة الأمريكية لم تعد وسيطا مقبولا، وأن خطة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط المعروفة باسم “صفقة القرن” ستفشل مثلما حدث لمؤتمر البحرين، قائلا إن “الفلسطيني رقم صعب لا يمكن تجاوزه”.
واتهم إسرائيل بالاستمرار في نقض الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين برعاية دولية، والعمل بشكل ممنهج على تدمير اتفاق أوسلو.
وقبل ذلك اعترف جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصهره، ومهندس صفقة القرن أن مقاطعة السلطة الفلسطينية لورشة المنامة، نجحت في إفشال جهوده قائلا: “الخطة الاقتصادية يمكن تحقيقها، ولكن ذلك لن يتم من دون قيادة فلسطينية”.
صفقة القرن التي طبختها إدارة الرئيس دونالد ترامب بمباركة إسرائيلية لإنهاء القضية الفلسطينية، جاءت لتكون بديلا للحل الدولي قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ سبعة عقود، وهو الحل الذي يستند إلى قرارات الشرعية الدولية والذي أعلنت السلطة الفلسطينية القبول به والمتمثل في حل الدولتين المتعايشتين جنبا إلى جنب بسلام وتعاون وهو حل تؤيده الدول العربية ويتقاطع مع مبادرة السلام العربية المعلنة سنة 2002.
لو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اختار، كل من بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية وافيغدور ليبرمان، منافسه الأكثر تشددا منه في تشريع الاستيطان، عوضا عن جاريد كوشنر وجيسون جرينبلات، لتمثيل البعثة الأمريكية لبحث سبل حل الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين لما كانا أكثر انحيازا في خدمة المصالح الإسرائيلية وتطرفا في التنكر للحقوق الفلسطينية.
ورغم أن وسائل إعلام إسرائيلية وأمريكية تناقلت بعض ما تسرب من مضمون صفقة القرن، ومنها ما نسب للمبعوث الأمريكي لعملية التسوية (جيسون غرينبلات) من أن مقترح حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 جوان 1967، ليس أساسا لخطة السلام الجديدة، فإن اليهودي الأرثوذوكسي جاريد كوشنر الذي رقص على جثت ضحايا المجزرة الإسرائيلية للمتظاهرين الفلسطينيين السلميين المشاركين في مسيرة العودة بقطاع غزة خلال حفل افتتاح السفارة الأمريكية بالقدس في منتصف شهر ماي المنصرم (2018) مع زوجته إيفانكا ترامب التي اعتنقت اليهودية من أجل الزواج به، وهدد الرئيس الفلسطيني علانية بنشر تفاصيل خطة “صفقة القرن” ما لم يعد إلى طاولة المفاوضات.
أما رفيقه في مهمة تصفية القضية الفلسطينية اليهودي ابن المهاجر المجري جيسون غرينبلات فقد هاجم الفلسطينيين، ووصفهم بالمنافقين، في تعليقه على رفض السلطة الفلسطينية وحركة حماس من التحركات الأمريكية في الشرق الأوسط.
ورغم خطورة هذا الحل الانفرادي الذي تسعى الإدارة الأمريكية إلى فرضه عنوة، فإن الرئيس دونالد ترامب لا يكتفي بالسعي لتصفية القضية الفلسطينية ولكنه يريد من الدول العربية الخليجية أن تتحمل هي التكلفة المالية لعملية التصفية ودفن حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، كما تنص على ذلك قرارات الشرعية الدولية.
كتب الباحث الأمريكي إيلان غولدنبرغ، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في معهد الأمن الأمريكي الجديد، في مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، أنه ليس من الواضح ما إذا كانت الدول العربية ستفعل أي شيء مختلف عما فعلته لسنوات، عندما يطلب رئيس أو وزير خارجية أمريكي دعمه في دفع خطة أمريكية جديدة، فإنهم دائمًا يقولون نعم، لكنهم لا يتابعون مع أي من الحوافز الإيجابية المفيدة للفلسطينيين، أو الضغط السياسي الحقيقي. ويخلص غولدنبرغ إلى القول بأن معظم الدول العربية لا تعطي الأولوية للقضية الفلسطينية، ولا تتفق مع عباس، فهم لن يقدموا له حوافز كبيرة، ولن يتكبدوا مخاطر سياسية في الداخل بالضغط عليه، خاصة إذا كانوا يعتقدون أن خطة الولايات المتحدة محكوم عليها بالفشل منذ البداية.
وما يؤيد في غموض الموقف العربي وتذبذبه هو ذلك التناقض الصارخ بين التصريحات العلنية للقادة العرب في الشرق الأوسط، وسلوكاتهم السرية مع أعداء الشعب الفلسطيني من الإسرائيليين والأمريكيين، ويدرك الفلسطينيون أن تعزيز وحدتهم الوطنية وتجاوز حالة الانقسام والتمسك بحقوقهم الوطنية هي الورقة الرابحة لإسقاط المؤامرة الإسرائيلية الأمريكية وإفشال صفقة القرن.
ورغم الخلافات المؤسفة والمستمرة بين الفصائل الفلسطينية في كثير من الأمور السياسية فإن هناك إجماعا قويا وثابتا بينها لمواجهة “صفقة القرن”، وإفشالها.
فحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، ترى أن “صفقة القرن هي مؤامرة كبرى تقودها واشنطن على القضية الفلسطينية؛ بغرض تصفيتها، وإنهاء حلم شعبنا بإقامة دولته المستقلة”.”.
وتعتبر أن من “أهم القرارات التي اتخذتها القمة العربية الأخيرة تشكيل لجنة دائمة لمتابعة المبادرة العربية؛ لأننا سنواجه صفقة القرن سياسيا بهذه المبادرة، التي تحمي حقوق الشعب الفلسطيني وتصونها وتحفظها في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس”.
وبالنسبة لموقف حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، فالمطلوب فلسطينيا هو إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، و بناء استراتيجية إعلامية وطنية، لكشف جريمة الصفقة، ودعم الرواية الفلسطينية في كافة المحافل الدولية”.
أما على المستوى العربي، فالمطلوب تحرك فلسطيني مشترك في المنظومة العربية؛ لتجنيد الدعم للقضية، وتحويل قرارات المجالس العربية التي ترفض صفقة القرن إلى برنامج عملي على الأرض، إضافة للتواصل مع الأحزاب والجهات والمكونات الجماهيرية العربية لتشكيل معارضة حقيقية للتطبيع”.
وبدورها، تطالب حركة الجهاد الإسلامي، الرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ”سحب الاعتراف بالعدو الصهيوني، وأن يستمر في دائرة الاشتباك مع العدو في نقاط التماس من خلال مسيرات العودة، وإطلاق يد المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، والاشتباك مع المستوطنين وجنود الاحتلال في نقاط التماس التي تعدّ بالعشرات في الضفة”.
كما تتمسك الفصائل الفلسطينية الأخرى على غرار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بمبدأ رفض خطة “صفقة القرن” وتجنيد كل الطاقات الفلسطينية للتصدي لها وإسقاطها.