هل الجزائر للبيع؟/ التهامي مجوري
إي والله، أنا طرحت الموضوع في شكل سؤال، ولكن الحقيقة هي أن الجزائر كانت للبيع بالفعل، لأنها منذ يوليو 2018، وهي في المزاد حسب رواية عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني، الذي صرح في الندوة الصحفية التي عقدها يوم السبت 13/07، وذكر ما عرض عليه من خطط اللعب بالجزائر.
لقد طُلب من الأستاذ عبد القادر بن قرينة في يوليو 2018، المشاركة في عملية سياسية تعمل على عزل المؤسسة العسكرية، وتنقل صلاحيات الرئيس إلى السيد عبد العزيز بلخادم، وهو رئيس حكومة سابق، وإطار بجبهة التحرير الوطني، ومحسوب على فريق الرئيس، ثم تتم إصلاحات في المؤسسة العسكرية، وتجرى بها تغييرات جذرية، إلى حد تغيير عقيدة الجيش الوطني الشعبي، ويبقى الرئيس، والمقترح قدم من طرف جهة أجنبية، والرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومستشاره الذي هو أخوه السعيد، وكل ذلك يتم بضمانات دولية.
ولما فشل المشروع، عرض عليه في شهر أوت 2018 مشروعا جديدا، وطلب منه المشاركة فيه أيضا، ويتضمن هذا المشروع التمديد لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، لسنة أو سنة ونصف، وتشكيل حكومة سياسية من رؤساء الأحزاب…؛ ثم حل البرمان وإنشاء مجلس تأسيسي، وللتأسيس للجمهورية الثانية التي ستكون فدرالية بمختلف اللغات المحلية، فيما يشبه الحكومات المحلية التي لا تشترك أطرافها فيما بينها إلا في الدفاع والخارجية. وعلى المستوى الاقتصادي توضع بركات حاسي مسعود “البقرة الحلوب”، التي حرم أهلها من العمل فيها، بيد المركز أي السلطة المركزية، حتى يوزع ريعها على جميع الحكومات التابعة للفديرالية.
إن ما ذكره سي عبد القادر بن قرينة، كلام خطير جدا، عن قضايا طلَّتْ بقرونها منذ الأيام الأولى للحراك، وهي المجلس التأسيسي والجمهورية الثانية، وتقسيم البلاد إلى حكم فدرالي.
قد يتحفظ المرء اليوم على كلام بن قرينة هذا لاعتبارات سياسية، منها أن أحد أعمدة حزبه فاز برئاسة المجلس الوطني الشعبي منذ أيام قليلة، وهو الأستاذ سليمان شنين، وذلك يصب في متانة العلاقة مع السلطة الفعلية، وربما يدخل هذا في الحملة الانتخابية المسبقة، ولا سيما والرئاسيات على الأبواب، ومن حق كل أحد أن يتحفظ، ولكني أنا أشهد أمام الله، أن عبد القادر بن قرينة أعلن شيئا من هذا الذي يقول –تلميحا- بعد ديسمبر 2018 في مناسبة حضرتها بنفسي، وهو قوله إن مشروع الدستور المعدل، الذي تكلمت عنه حواشي بوتفليقة، ووعد به بعد ذلك في حملته للخامسة، جاهز على الطاولة، وأعدته جهات مشبوهة، وهو مشروع خطير جدا على البلاد..، هكذا قال بن قرينة يومها.
نعم قال هذا الكلام في ذلك الوقت ولم يُفصِّل، أي قبل استدعاء الهيئة الانتخابية إن لم تخني الذاكرة، وحاولت معرفة هذه الخطورة من أحد قياديي الحزب، ولكن لم أتمكن وإنما أكد لي المعلومة من غير تفصيل.
وقد طلب الأستاذ عبد القادر بن قرينة قبيل الرئاسيات المقبورة، مقابلة مع قيادة جمعية العلماء، ولكن لأسباب خاصة… لم يتم اللقاء، وقال لي يومها أردت أن أضع قيادة الجمعية في الصورة.
إن المؤامرة لم تبدأ من تآمر العصابة بعد استقالة الرئيس بوتفليقة، وإنما بدأت قبل ذلك بكثير، وربما قبل شهر يوليو 2018؛ وبمشاركة الرئيس نفسه وجهات أجنبية وأحزاب جزائرية، وعلى رأسها أحزاب السلطة يومها، أي أحزاب الموالاة تحديدا.
لقد كانت البلاد في المزاد، ليس بهذه المساومات فحسب، وإنما بضلوع أحزاب سياسية، مفترض فيها أنها حريصة على خدمة المواطن، وتعمل على النهوض بالبلاد، وليس بالتآمر على عليه بالمشاركة مع جهات مشبوهة على مستقبله السياسي.
وبيعت البلاد عندما سلمت رقاب مواطنيها إلى كمشة من المرتزقة ليعبثوا بها. كمشة موزعة على دواليب السلطة، بعضها في الإدارة وبعضها في السياسة وبعضها في الإعلام وبعضها في الأجهزة الأمنية، وأكثرها في المؤسسات المالية، بحيث أصبحت الدولة برمتها رهينة هذه العصابة، التي أضحت تعد بالآلاف، موزعة على مؤسسات الدولة المركزية والمحلية، قدر عددها سي بن قرينة بأربعة آلاف شخص.
وبيعت البلاد عندما راهنت الطبقة السياسية وأحزابها، على الرجل المُخلِّص، منذ أن جيء ببوتفليقة، وعرض على أنه رجل القدر كما قال زميلنا سي عبد العزيز بوبكير، بحيث أصبح هو الكل في الكل، ولا أحد يرفض له طلبا.
وبيعت البلاد عندما أصبح المسؤول الفرنسي يتجول في أروقة وزارات الدولة الجزائرية، وكأنه في بيت أمه وأبيه، ويأمر مسؤولينا ويَنهاهم كما يؤمر وينهى العبيد من قبل أسيادهم، لا سيما بعدما مرض الرئيس وأقعد…، وكأنه باعها عندما لجأ إلى فرنسا للإستشفاء.
ولولا الحراك الشعبي.. ما استطاع أحد إيقاف هذه الصفقة الساقطة، ولأدخلوا البلاد في دوامة أشد عليها من دوامة التسعينيات التي حصدت أكثر من مائتي ألف مواطن.. من زبدة المجتمع، من الشباب والطلبة وإطارات البلاد ونخبها، من هذا الطرف وذاك..، إذ الكل جزائريون، فلا يزايد أحد على أحد.