بورقعة بين الحراك وحاطب بن أبي بلتعة/ عبد العزيز كحيل
تدل قضية لخضر بورقعة على مدى التذبذب الذي أصاب الحراك وعلى مستوى ضعيف من الوعي عند كثير من النخب.
لن أخوض في ماضي الرجل- أترك هذا لرفاقه في الثورة – ولا توجهاته السياسية – تكفي زيارته لبشار الأسد وتأييده له في إفناء الشعب السوري، كما فعلت زميلته في “الجهاد” جميلة بوحيرد- لكن أتناول قضية تقديمه للعدالة من الناحية القانونية والشرعية لأن الأمر اختلط على كثير ممن يكتبون ويصرّحون.
أمام القضاء الناس سواسية بغض النظر عن السن والانتماء والماضي والسابقة، هذه هي استقلالية القضاء وهذه دولة القانون…كيف نطالب بهذا من جهة فإذا تحركت العدالة ضد هذا الشخص أو ذاك طالبنا بإطلاق سراحه؟ قامت عشيرة ربراب باحتجاجات للإفراج عنه لأنه “يوفر مناصب شغل” !!! نفس الشيء مع حنون لأنها “زعيمة حزب”، ومع حاملي رايات دخيلة بدل العلم الوطني بحجة أنها “راية ثقافية”، ثم مع بورقعة لأنه “مجاهد !!!” (بالمناسبة لم يحتجّ هؤلاء على المعاملة غير القانونية التي يتعرض لها علي بلحاج مثلا)…. نشكو من العدالة الانتقائية ثم نمارسها نحن الشعب؟
لا…المطلوب منا شيء آخر هو مطالبة القضاء بتنوير الرأي العام بالمعطيات الموضوعية للاعتقالات ليطمئن أنها قانونية وليست سياسية ثم يوفر محاكمات شفافة عادلة ليصبح ذلك تقليدا كما في الدول المتقدمة.
هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية الشرعية فهناك شبهة يجب إزالتها بالحجج السواطع القواطع، فئة تؤيد عدم متابعة بورقعة لأنه صاحب سبق في الجهاد،عاقدة مقارنة بينه وبين حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه الذي كان من أصحاب بدر لكنه اقترف جرما كبيرا حين بعث إلى أهل مكة رسالة يخبرهم فيها أن المسلمين يتجهزون لغزوهم، يقول المدافعون عن بورقعة إن الرسول صلى الله عليه وسلم عفا عنه رغم جريمته الخطيرة (الخيانة العظمى زمن الحرب)، والحقيقة ليست هكذا وإنما تكمن في عدة عوامل تحيط القضية من كل الجوانب:
– أولا: المسلمون اعتقلوا الجاني (حاطب) رغم كونه بدريا يعرفه الجميع.
– ثانيا: تمّ التحقيق معه.
– ثالثا: أجريت له محاكمة علنية ترأسها قاض عادل ( الرسول صلى الله عليه وسلم).
– رابعا: كان الحكم المناسب هو الإعدام كما فهم الصحابة واقترح بعضهم على النبي تنفيذه.
– خامسا: هناك ظرف مخفف يتمثل في أن الرسالة التي بعثها حاطب لم تبلغ هدفها لأن المسلمين اعترضوا حاملها في الطريق فلم يتمّ بالتالي إفشاء سرّ الجيش المسلم أي لم تؤتِ الجريمة آثارها في الواقع.
– سادسا: هنا فقط ولهذا الاعتبار الأخير استعمل رئيس الدولة (الرسول صلى الله عليه وسلم) حق العفو بناء على سابقة الجاني وقال “لعل الله اطلع على أصحاب بدر فقال افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم”، أي السابقة ظرف مخفف وليست عاملا من عوامل تقديس أي فرد أو التغاضي عن أفعاله المخالفة للقانون أو إفلاته من العقاب.
هذا هو ميزان العدل الذي ينبغي التشبث به بعيدا عن الشعبوية والغوغائية من جهة والعدالة الانتقائية وتسييس القضاء من الجهة الأخرى.