الخبيرة في العلاقات الدولية والعلوم السياسية الأستاذة نبيلة زرارقة في حوار مع جريدة البصائر/ حاورتها: فاطمة طاهي
بدایة نبذة عن شخصكم الكریم؟
أولا وقبل كل شيء هذا شرف كبیر أن یدرج اسمي ضمن جریدة البصائر التاریخیة، بالمیراث المشرف لجمعیة العلماء المسلمین الجزائریین في الماضي والحاضر، في الحقیقة أنا ترددت في إجابة دعوة الحوار وإدراج اسمي ضمن قائمة الأساتذة الكرام الذین یكتبون في الجریدة، لكن رئاسة التحریر طلبت مني إفادة القارئ ببعض المواضیع المتعلقة ببحوثي والعمل الذي أقوم به حالیا.
أنا خریجة معهد العلوم السیاسیة والعلاقات الدولیة، عملت في التعلیم الثانوي أستاذة التاریخ، وبعدها توجهت إلى الصحافة، حیث عملت في أسبوعیات ویومیات منها جریدة العالم السیاسي الأسبوعیة والیومیة وجریدة الخبر والرأي الیومیة، كما عملت في یومیة لوتونتیك بالفرنسیة، وأيضا في أسبوعیة السفیر في فترة ما یسمى بالعشریة الحمراء، حیث قمت في هذه الفترة بتغطیات مختلفة في مؤتمؤات دولیة في العراق وفي الأراضي الصحراویة المحررة وفي لیبیا، وتحقیقات میدانیة. كما شاركت في المؤتمر التأسیسي للنقابة الوطنیة الصحفیین. واصلت المشوار الأكادیمي في العلاقات الدولیة في مرحلة ما بعد التدرج وبعدها ذهبت إلى أمریكا في إطار بعثة حیث بدأت البحث عن هنود أمریكا وشاءت الأقدار أن أستقر هناك. بعد أمد طویل قدمت السنة الماضیة ثمرة بحثي ونلت شهادة الماجستیر، ولازلت أسعى لأفید الجامعة الجزائریة، والقارئ باللغة العربیة حول ببحوث حول النظام والمجتمع الأمریكي.
حدثینا نبیلة زرارقة عن موضوع بحثك؟
البحث الأول الذي قمت به كان تحت عنوان “السیادة القبلیة لهنود أمریكا”، قبل أن نتكلم عن الموضوع، عندي رجاء، وكثمرة توصلت الیها في هذا البحث، هي أن بعض الكلمات التي نتداولها نحن الجزائریین مثلا “لیزاباش”، و”لیزاندیا”، واللتان ترمزان الى الهمجیة وعلو الأصوات، وحتى كلمة “الهنود الحمر”، كل هذه الكلمات فیها عنصریة، في الحقیقة ونحن عالم مستهلك لهولیود بالخصوص أفلام “الواسترن وبالذات أفلام جون واین”، التي یصور السكان الأصلیین لأمریكا على أنهم متوحشون، للأسف انتقلت هذه الصورة إلينا، وحتى الیوم هناك خلاف كبیر في أمریكا حول هذا المصطلح، لأن السكان الأصلیین یعتبرون ذلك عنصریة ضدهم، فالرجاء تجنب استعمال كلمة الهنود الحمر أو لیزاباش أو لیزاندیا، وحتى كلمة “الاكتشاف”، قرأنا في كتب التاریخ أن كولومبس “اكتشف” أمریكا، هذا لیس فقط غیر صحیح لكن أیضا النظریة تخدم الایدیولوجیة الأوروبیة الاستعماریة، وكثمرة لهذا البحث أنا دائما أنبه من حولي إلى تجنب استعمال هذه الكلمات التي درجنا علیها لأنها تحمل شحنة عنصریة بحتة.
أستاذة لماذا هذا الموضوع بالتحدید؟ ولماذا الولایات المتحدة الأمریكیة؟
اخترت هذا الموضوع بالتحدید لأن القوى الأوروبیة والغرب عادة مهتمین بدراسة المسلمین والمجتمعات العربیة الإسلامية، حیث یقومون ببحوث كثیرة ویصرفون أموالا طائلة على دراسة المجتمعات العربیة والإسلامية، وبالتالي نحن بحاجة لأن ندرسهم أیضا، ونعرف ما یحدث في مجتمعاتهم هذا من جهة، ومن جهة ثانیة موضوع “هنود أمریكا” یهمني لأني كنت أدرس التاریخ ولازلت، ونظرا لعلاقة ما حدث لهنود أمریكا وما یحدث الیوم للمسلمین، یوجد تشابهات كثیرة بین السلوك الاستعماري في أنحاء مختلفة في العالم، وإضافة إلى ذلك عندما جلست لمجاهدین في فترة عملي الصحفي، مثل المجاهد المرحوم أحمد محساس، الذي كان یتحدث عن مقاومة وإرادة الشعوب المستعمرة شد انتباهي التشابه بین التاریخ الجزائري وتاریخ هنود أمریكا وتشابه بین تاریخ أمریكا وما یحدث الیوم في فلسطین من خلال الاستعمار والاستیطان، وأوجه التشابه بین تركستان الشرقیة الیوم كلها شدت انتباهي لدراسة هذا الموضوع.
أنتم تدرسون التاریخ في أمریكا حدثینا عن تجربتكم في هذا البلد ؟
نعم أدرس التاریخ في الطور الثانوي، في مدرسة اسلامیة معتمدة، مدرسة تاریخ العالم وتاریخ أمریكا، هي مدرسة مستقلة لكن لابد أن تحصل على اعتماد، لأنها تسایر مقاییس التدریس ومستوى تدریس في البلد، مازلت بین الحین و الأخر أتعامل مع بعض الصحف من خلال مقالاتي المتفرقة هنا وهناك.
ما هي أهم محاور التي تطرقت لها في بحثك للماجستیر؟
فیما یخص البحث الذي قمت به عن هنود أمریكا، وهم السكان الأصلیون، وفي هذا البحث تبین لي التشابه بین تاریخهم وتاریخنا حیث تمت الهیمنة علیهم من طرف الاستعمار الأروبي خلال فترة الحملات الاستعماریة، وكان ذلك بمباركة من الكنیسة الكاثولیكیة التي أعطت المبرر الایدولوجي لهذه الحملات الاستعماریة خاصة الاسبانیة والبرتغالیة، لأن في المعتقد وفي نظریة الكنیسة الكاثولیكیة حینها أن السكان الأصلیین لا یملكون الأرض ولیس لدیهم حق في ملكیة الأرض، وكل ما یسمح لهم هو حق شغلها واستغلالها، ثم جاء بعدها ما یسمى بنظریة الاكتشاف، وبناء على فكرة نظریة الاكتشاف تأسست نظریة قانونیة استطاع بها البریطانیون والأمریكیون أن یستحوذوا على الأرض. وهناك شيء اخر یجب أن یصحح فعندما نتكلم عن هنود أمریكا یصور لنا أنهم كلهم مجموعة واحدة، لكن هم أمم ذات ثقافات لغات مختلفة ونظمهم الاجتماعية والسیاسیة التي كانت على غایة من التطور عكس ما یصور لنا الأوروبیون في كتاباتهم، في البدایة استعمل الأروبیون حیلة المهادنة حین كان میزان القوى في صالح الهنود، وذلك من خلال عقدهم لمعاهدات التي لها قوة سیاسیة وقانونیة ولا تزال ملزمة الى یومنا هذا، اذ بناءا على جانب من فحواها تستمر القبائل بممارسة سیاسیة محدودة على ما تبقى من أراضیهم، وتتضمن هذه المعاهدات و الأوروبیین احترام الحدود الإقلیمیة وسیادتهم لكن عندما ضعفت هذه القبائل ضربت الدولة الأمریكیة بهذه المعاهدات عرض الحائط، واستحوذت على أراضیهم. وبعد الاستحواذ على اراضیهم هناك تشابهات كثیرة بین الاستعمار الاستيطاني الأوروبي لقارة أمریكا والاستعمار الفرنسي للجزائر، مثل: نهب الأراضي ومحاولات مسخ الشخصیة، والحرب على اللغة،و مساعي التمسیح… ومن أغرب التشابهات هو حتى في الفترة الزمنیة حیث صادفت حروب المقاومة للهنود الانتفاضات الشعبیة الجزائریة .ولكن في آخر المطاف وبطبیعة الحال میزان القوى كان لصالح النظام الأمریكي، وقد زج أمم الهنود إلى محمیات، واستمر نهب الأراضي. ولكن في القرن العشرین رجعت حركة مقاومة الهنود لتأخذ أشكالا جدیدة قانونیة وسیاسیة. الیوم لهنود أمریكا ما یسمى بالحكومات القبلیة، تمارس هذه الحكومات القبلیة نوع من السیادة المحدودة على الأرض وعلى المحمیات، لدیهم شرطتهم ونظامهم القضائي. وهنود أمریكا الیوم یحاولون احیاء لغاتهم وتراثهم. دائما اذكرما قاله احد الكتاب وهو من أشهر الكتاب في هذا المجال اسمه فاین دلوریا یقول في احدى كتبه: “الاستمرار القانوني والسیاسي للدولة والحكومة هذا مهم لكن إذا كان هناك قوة استعماریة وقوى أخرى تحاول سلب هذا الجانب السیاسي فممكن أن یختفي لفترة معینة ولكنه سیعود ما دام الاستمرار الثقافي ومادام هناك الحفاظ على الهویة والحفاظ على الشخصیة فان هذه الأمة ستستمر لا محال.. “، وهذا یذكرنا ما حدث في تاریخ الجزائر إذ بعد 132 سنة من الاستعمار الاستيطاني، أحیت حركة جمعیة العلماء المسلمین الجزائریین خصائص الهویة الجزائریة فتعلیم اللغة العربیة والقرآن…..ساهم في تبلور الوعي الوطني وأدى إلى حركة التحرر في الجزائر، فهناك تشابهات كثیرة بین المجتمع الجزائري والأمریكي، كما هناك تشابهات مع ما یحدث للمسلمین في الصین الیوم إذا سمح المجال الحدیث عن ذلك فیما بعد.
يوجد في أمریكا بلدة تحمل اسم الأمیر عبد القادر، وقد زرت هذه البلدة، حدثینا أولا عن خلفیة التسمیة ؟
سمیت هذه البلدة على الأمیر عبد القادر نظرا لسمعته العالمیة حینها لمقاومته الاستعمار الفرنسي وللدور الذي قام به في الحرب الطائفیة التي نشبت في منفاه في سوریا. لقد فتح أبواب بیوته للمسحیین الذین كانوا مستهدفین. فهذه المواقف المبدئیة الذي قام به اثارت اعجاب الكثیر من بینهم الرئیس الأمریكي لینكن. أما تسمیة بلدة “الكایدر” كما تنطق بالإنجلیزیة فیعود إلى أحد مؤسسیها تموتي دایفس الذي كان معجبا بنضال الأمیر عبد القادر ضد الاستعمار الفرنسي فقرر أن یطلق هذا الاسم على البلدة الجدیدة.
حدثینا كذلك أستاذة عن جمعیة الأمیر عبد القادر وعن مؤسسیها في الولایات المتحدة الأمریكیة ؟
هذه الجمعیة كان یترأسها رئیس بلدیة “الكیدر” الذي كان معجباً كثیراً بسیرة الأمیر عندما تذهبین إلى المكتبة البلدیة تجدین تمثالا، صنعته زوجة رئیس البلدیة، صنعته من الورق، ووضعت له برنوس ولحیة وحاولت قدر الامكان أن تحاكي صورة الأمیر عبد القادر، ما عدى العینین فقط فجعلتهما زرقوین على شاكلة أغلب أهل البلدة موجودة في قلب حقول الذرة في ولایة أیوا. بالحرب غیر المعلنة على الإسلام وحملات التشویه الإعلامیة لا یزال أهل هذه البلدة یفتخرون بتسمیة “كیدر” ویعرفون ما أن من بین قیم الإسلام هو التسامح. تترأس الجمعیة الیوم السیدة كاثي غرام أعضاؤها أغلبیتهم الساحقة من الأمریكیین، قالت لنا ممثلة جمعیة الأمیر عبد القادر الموجودة هنا في الجزائر هي الجمعیة الأم و هي المؤسس لهذا الفرع. من ضمن نشاطاتها هو تقدیم جوائز سنویة مالیة لطلبة المرحلة الثانویة و الجامعیة من من یبدون اهتماماً بسیرة الأمیر ویكتبون مقالات عنه، لكن الملاحظ أن هذه الجمعیة أخدت اتجاها جدیداً إذ تستعمل الیوم سیرة الأمیر عبد القادر لأغراض سیاسیة تخدم الدوائر والمصالح السیاسیة الأمریكیة .إذ تبین في أخر منتدى لها یوم 12 من سبتمبر الماضي أنها تسعى لتقدیم سیرة الأمیر كنموذج للتطبیع والتنازل عن بعض القیم الأساسیة في ثقافتنا. فخلال هذه الندوة التي احتضنتها إحدى المعاهد كاثولیكیة في واشنطن دي سي غلب الحدیث عن سیرة الأمیر وتسامحه …..وركز ألكثیر من المتدخلین من رؤساء جمعیات على استعمال سیرته في محاربة التطرف في العالم الإسلامي، وقد تحدثت مع عمید هذه جامعة المستضیفة قلت له: ألا تعتقد أن الغرب الیوم بحاجة إلى أن ینظر إلى شخصیة الأمیر عبد القادر المتسامح ویفهم المسلمین والصورة الحقیقیة للإسلام من خلاله، فأجابني اجابة غریبة قال: “أعتقد أن المسلمین الیوم هم من یحتاج إلى الاقتداء بالأمیر” أعتقد أن الكثیر منهم في أمریكا ینظرون إلى الأمیر على أنه المهادن ویتناسون أنه كان أیضا البطل المجاهد، سألت إحدى العضوات الناشطات في الجمعیة، قلت لها: لماذا لیس هناك حضور إعلامي؟ فقالت: الصحافة غیر مهتمة “بالأمیر عبد القادر”لا یهمهم أن یروا صورة المسلم المتسامح، ما یهمهم أن یروا صورة المسلم الارهابي…….أعتقد أن لهذه الجمعیة الیوم أجندة سیاسیة لا تتوافق مع سیرة الأمیر. سأنشر تفاصیل هذا الموضوع في قابل الأيام إن شاء الله بعد التأكد من بعض المعلومات خلال الاتصال مع المنظمة الأم هنا في الجزائر.
إذا كانت هذه الجمعیة جمعیة الأمیر عبد القادر تعمل من أجل تمریر رسالة أخرى ولیس الرسالة الأصلیة، هل هنا یستدعي الأمر تدخل جمعیة الأمیر عبد القادر الجزائریة ؟
ما یمكنني أن أقوله فقط لأني عندي تحفظات على نشاط الجمعیة الأمریكیة بناء على ملاحظاتي خلال الندوة الأخیرة یجب أولا أن أكمل التحقیق والتبین أكثر مع جمعیة الأمیر عبد القادر الجزائریة، لأنه لابد لهذه الأخیرة أن تتأكد ما یستعمل وما یقال وما یفعل باسم الأمیر. تتلقى الجمعیة الأمریكیة مساعدات سنویة من السفارة الجزائریة . في هذه الحالة یجب على الدولة الجزائریة تبین أغراضها وأهدافها عندما تساهم في تمویلها ومساعدة هذه الجمعیة یجب أن یكون واضحا ويعرف فیما تستعمل وما هي الأیدولوجیة التي تروج لها وما الذي تسعى الیه هذه الجمعیة إلى تحقیقه.
كیف هو وضع الإسلام وأوضاع المسلمین في أمریكا ؟
لا یوجد حرب مفتوحة رسمیا على الاسلام والمسلمین في الولایات المتحدة الامریكیة لأن ذلك غیر دستوري. فالمجتمع الأمریكي متكون من مجموعات عرقیة كثیرة وذات مشارب ومعتقدات مختلفة، ومن كل الأنحاء والأنواع تعیش على أرض واحدة، ولكن هناك دعایة من طرف بعض وسائل الإعلام وحركة لمحاربة الشریعة الاسلامیة، هناك محاولات الحد من نشاط بعض المنظمات المدنیة، لكن هذه المحن تدفع المسلمین لینظموا انفسهم من خلال منظمات إسلامیة كثیرة، تقدم خدمات اجتماعیة وثقافیة وأخرى تعنى بالحقوق المدنیة والسیاسیة،هده المنظمات وإن لم تكن في قوة اللوبیهات والامكانیات المجموعات المعادیة للإسلام فإنها تزداد نشاطا بتبلور الوعي بتحدیات الساعة، لكن من أكبر التحدیات التي یواجهها المسلمین في أمریكا الیوم هو كونهم یأتون من مجموعات ثقافیة مختلفة وهذا یصعب من توحید جهودهم، ولكن الأمل كبیر في الشباب، من كان یدري أن أمریكا یكون فیه رئیس اسمه “حسین اوباما”، أو أن تصبح محجبة صومالیة عضوة في الكونغرس، وبالتالي فكل شيء ممكن یعني قواعد اللعبة مفتوحة وعلى المسلمین فقط أن ینظموا أنفسهم ویجتهدوا أكثر. من ضمن التحدیات أیضا كونهم مهاجرون في أغلبیتهم هناك حملات تخویف من المسلمین والاسلام وكل المهاجرین هذه الأیام، وهذا سبب من أسباب صعود الیمین المتطرف التي أتعرض له في بحثي الجدید. حیث أن الاسلام هو الدیانة الأسرع انتشار الیوم، وقد كان فیه رد فعل اجتماعي وسیاسي تخوفا من التنامي الدیموغرافي للهویات الأخرى، ولأن أمریكا تتوجه نحو ما یسمى أغلبیة الأقلیات التي یشعر البیض انها تهددهم وتهدد مصالحهم الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة، وبالتالي هناك تغییر في سیاسة، وثقافة تقبل التنوع الدیموغرافي والتي بنیت على القانون ونضال الحقوق المدنیة.
حدثينا كذلك دكتورة عن بحثك الجدید ؟
يصب اهتمامي الأكادیمي هذه الأیام حول أسباب صعود الیمین المتطرف في أمریكا والذي یحاكي تصاعد الیمین المتطرف الأوروبي والذي نتج عنه أعمال إرهابیة ضد المسلمین في نیوزیلندا .یهیمن البیض من أصل أوروبي على المجتمع الأمریكي الیوم وقد بني النظام السیاسي لیخدم مصالحهم على قومیة البیض. في الستینیات القرن الماضي تغیرت الثقافة السیاسیة بعد نضال مستمیت من أجل المساواة للأعراق الأخرى على رأسها السود، لكن في السبعینات بدأت تظهر تحالفات سیاسیة واقتصادیة لنخبة من المحافظین الذین یسعون للحفاظ على امتیازات البیض الاقتصادیة والسیاسیة، الأمریكي الان شرخ كبیر، وحتى مواجهات عنیفة سیاسیة وصلت إلى أعمال عنف بین المحافظین من دعاة قومیة البیض و اللبرالیین. فیما یخص مما أوجد تخندقا سیاسیا عمیقا الیوم في المجتمع الأمریكي بین اللبیرالیین الذین یدعون الى الانفتاح وبين المحافظین، ففي قلب المجتمع الیمین المتطرف الذي یدق ناقوس الخطر، یرون أنه بعد عشرة أو عشرین أو مئة سنة ستتغیر تركیبة المجتمع الأمريكي ولن یتمتعون بالامتيازات الإقتصادیة والسیاسية. وإنما سیصبحون أقلیة. وستكون أغلبیة الأقلیات وهذا بناء على احصائیات 2010، فمثلا المكسیكیون المهاجرون القادمون من أمریكا اللاتینیة تزداد عددهم سنویا 3 بالمائة بینما البیض 2.0 بالمائة، فهناك تخوف من المستقبل وان شاء الله تكون فرصة حتى نتحدث عن هذا الموضوع أكثر في المستقبل.
أشرت في بدایة هذا الحوار إلى معاناة المسلمین في الصین. ماذا تعرفین عن هذا الموضوع؟
تجدر الإشارة الآن إلى وضعیة المسلمین من الإیغور في تركستان الشرقیة یعانون إضطاهادا ثقافیا تحت الحكم الصیني. الإیغور مسلمون منذ عهد عبد المالك بن مروان سنة 96هـ. لكن بعد قرون من التعایش السلمي لقرون اشتد في الوقت المعاصر بالخصوص مع الثورة الشیوعیة الصینیة، وقعت هذه المنطقة تحت الهیمنة الصینیة في 1949، فسمیت شیانغ جیان، ویعني بالصینیة المستعمرة الجدیدة، المسلمون فيها یتعرضون لحملة منظمة لمسخ هويتهم. بعد خطط تغییر التركیبة السیاسیة بتشجیع الهجرة لعرق الهان الصیني الى هذه المنطقة بدأت القبضة الحدیدیة الصینیة بین سنة 2009م وسنة 2019 باسم محاربة التطرف حیث زج بملیون شخص على الأقل في محتشدات دون محاكمة أحیانا لمجرد الاشتباه في أنهم یمارسون دینهم مثل الصلاة والصوم…..، سبب هذا القمع الیوم هو ما تحویه أرضهم ثروات باطنیة ذات أهمیة حیویة للصین مثل البترول والغازو الیورانیوم….، لقد سمعت من طلبتي و زملائي من الایغور في أمریكا لا یصدقها العقل لكن أكدتها مصادرموثوقة أخرى، قام الحزب الشیوعي ببعث أشخاص من الحزب “ليستضافوا” في البیوت ویراقبوا في حیاتهم الیومیة و یعدوا تقاریر عن ولائهم السیاسي. وإذا اكتشف أنهم یمارسون دینهم یتم ارسالهم الى محتشدات، الهدف من الاعتقال باسم محاربة التطرف ومحاربة الارهاب هو الإدماج القسري. لا یسمح للإیغور بحریة ممارسة دینهم مثل مثل لبس الحجاب أو إعفاء اللحى أو الصوم أو الصلاة بعضهم یصلي جالسا أو في المراحیض، وأبناء المساجین یعتبرون أیتاما و یبعثون إلى ملاجئ حیث یتم تربیتهم على الثقافة الصینیة الشیوعیة. ما یحدث في تركستان الشرقیة من هدم للمساجد وإفراغ القرى من أهلها والقمع و الإضطهاد، یشبه كثیرا ما حدث لهنود أمریكا، الأطفال ختطفوا وبعثوا الى مدارس داخلیة حیث خضعوا لغسیل مخ ویتحولوا إلى حاملي ثقافة البیض، یعني هناك هیمنة ونظام استعماري، في الحقیقة لا أفهم لماذا الدول الاسلامیة لا تتدخل ولا تقول شيء، نعرف أن نفوذ الصین السیاسي في العالم یحد من الهیمنة الأمریكیة لكن لا یعني السكوت على البطش الصیني تواطئ سنسأل عنه أمام االله وسیشهد التاریخ لنا أو علینا إذا فقدنا تركستان الشرقیة كما فقدنا الأندلس كیف نجیب نداء “وأسلاماه”. في أي جهة من التاریخ یقف المسلمون الان؟ أفهم كل هذا أنا لا أتكلم عن الاستقلال والانفصال عن الصین هذا موضوع أخر، ما یهمني الآن هو أن إخواننا في الإسلام یحاربون في دینهم. ما یحدث لهم وصمة عار لیس على المسلمین الیوم وإنمّا على ضمیر كلّ البشریة. وصلت تضییق الخناق إلى ممارسات لا نراها إلاّ في أفلام الخیال العلمي مثل نصب أجهزة التعرف على الهویة في الشوارع، إرغام الإغور على تحمیل تطبیقات في الهواتف حتى تراقبهم أیضا، كجهاز تحدید الموقع في السیارات…..وعدد الأشخاص في المحتشدات غیر معروف بدقة. حسب مصدر من الأمم المتحدة عددهم یربو عن المائة و الشهادات المسجلة من مصادر موثوفة تحكي قصصا مروعة عن التعذیب الذي یرافق محاولات غسیل مخ لخلق ولاء للحزب الشیوعي. إن الحكومة الصینیة تعتبر الإسلام مرض عقلي یجب مداواته بالولاء للشیوعیة.
تقییمكم للحراك الشعبي الذي تعرفه الجزائر في الوقت الراهن ؟
كمواطنة جزائریة مقیمة في الخارج هذا یثلج صدري أن هناك حركة في الشوارع والكثیر من الشعوب العربیة والإسلامية الأخرى تنظر إلى الشارع الجزائري بإعجاب، لكن قلوبنا في وجس لما عشناه في الماضي القریب وهناك مؤشرات تبعث على الانشغال. عندما كنت هنا في الجزائر أعمل في الصحافة كنا نأمل في تحرك المجتمع الجزائري لیسترجع سیادته الشعبیة من النخبة السیاسیة التي تعیش على الریع النفطي. فكان الأمل هو أن یستفید من التجربة المرة للسنین العجاف للإنتقالیة. الأمل كان في مجتمع مدني منظم وقوي، لكن السؤال المطروح الیوم: هل لدینا مجتمع مدني منظم یفرز نخبة ولاؤها للشعب؟ هل الحراك الشعبي هي حركة عاطفیة أم هي ثورة؟ ما الذي تغیر منذ فیفري الماضي؟ أین یتجه هذا الحراك؟ حركة شعبیة عمرها 5 أشهر لیس هناك قیادة لیس هناك أرضیة مطالب موحدة وواضحة، هناك خروج الى الشوارع ونداء بالتغییر أعقبتها محاسبة لبعض المسؤولیین. هل هي محاسبة أم تصفیة حسابات جدیدة؟ لا أرى بوادر والیات التغییر العمیق. وقد یكون ما یجري مجرد مقدمة لمرحلة انتقالیة أخرى إذا لم یقبل النظام بتغییر عمیق في شكل ندوة وطنیة. الأمور غیر واضحة إلى حد الآن الكلّ یرید التغییر لكن شبح العشریة الحمراء یحوم حول الجمیع. من رأیي لا أرى مخرجا ما دام هذا الحراك لیس لدیه ممثلین معینین وأرضیة واضحة یتفق علیها الجمیع. حضرت لندوة مركز الدراسات العربیة في أمریكا حول الحراك الشعبي، ففي نهایة المطاف قالو: عبروا الملحظون الأمریكیون من المهتمین ببلدنا إن الوضع مفتوح على كل الاحتمالات مفتوح ولا یعرفون أین سیتوجه هذا الحراك.
الحراك الیوم أنجز العدید وحقق الكثیر ما رأیكم في ما وصلت الیه الجزائر بفضل هذا الحراك الشعبي ؟
مجتمعنا تعود على البقرة الحلوب، الدولة تعطیني بدل أن تعلمنا كیف نبني مجتمعنا، هل لدینا مجتمع مدني منظم على مستوى المحلي الوعي یبدأ من هناك. كیف ننادي بشعارات الدیموقراطیة وننتقد الفساد السیاسي ونحن تمتلئ شوارع بالقمامات….. لا أجد تغییرا كبیرا في المجتمع المدني. إن شأن الجزائر هو شأن بقیة الشعوب العربیة و الإسلامیة المؤسسة الوحیدة على غایة من التنظیم هي المؤسسة العسكریة. أو الأحزاب الإسلامیة. لن تسمح قوى سیاسیة داخلیة بقیام دولة إسلامیة والحراك عاجز عن إیجاد البدیل الوطني الأصیل الذي لا یهمش تاریخ وقیم هذا المجتمع. لقد إعتدنا الأبویة منذ الإستقلال ولازلنا نعیش في ظلها. لن یمكن للحراك أن یحدث قطیعة مع الماضي السیاسي حتى یتجاوز مخاوفه و یتوحد و على الشعب الجزائري أن الحدیث “كما تكونوا یولى علیكم” هي حتمیة سیاسیة أثبتت نفسها مرارا و تكرارا.
حقق الحراك الشعبي اعتقالات للعدید ممن تورطوا في قضایا الفساد، ما رأیكم؟
صراحة لا أعرف إن كانت محاسبات أو تصفیة حسابات؟ لقد تعلمنا من تجربتنا كصحفیین أن نقیس أي مبادرات سیاسیة بمقیاس الشفافیة والانفتاح الاعلامي.مثلا أنت كصحفیة إذا أردت أن تتابعي تفاصیل مقاضاة رئیس الحكومة السابق أویحي لن تستطیعي ستجدین حواجز وعراقیل لا نهایة لها، أین الشفافیة هنا. وأمر أخر هل نحن دولة القانون یحاسب فیها المفسدون. هل هناك قضاء مستقل؟ لیس هكذا تبنى الدولة، نحن نبني دولة ولیست سلطة یجب أن تكون دولة دیموقراطیة، ویجب أن تكون فیها الشفافیة، ویجب أن یكون المجتمع المدني قوي ومنظم. وأنا باحثة في العلوم السیاسیة وأعیش في مجتمع وإن كانت علیه مآخذ كثیرة في ممارسة الدیموقراطیة إلاّ أنّ أسسها متوفرة مثال استقلال جهاز القضاء الذي یحمي دولة القانون ولیس جهاز قضاء تسیطر علیه الولاءات السیاسیة للسلطة أیما كان من یمسك دوالبها. وأعرف جیدا من المهم أن أرى دولة القانون، دولة لا تتلون بألوان الأشخاص، أنا لست متشائمة عندي ثقة أن الشعب الجزائري الذي مر على محن كثیرة تعلم دروسا من تارخه ما سیؤهله لبناء نظام دیموقراطي وفي لقیمه واالله أعلم.