ورشة المنامة أو الترغيب القاتل/ أ. محمد الحسن أكيلال
بداية الإسلام الصهيوني
لا شك أن “هرتزل” وهو يلتقط آخر الأخبار عن حلمه في قبره تجعله الفرحة التي غمرته ينسى أنه ميت فيصرخ بأعلى صوته يطلب كل أعضاء الحركة الصهيونية المؤسسين الذين حضروا آخر اجتماع لها عام 1897 ليبلغهم بالنتائج الباهرة التي حققها خلفه الصالح في كل من فلسطين المحتلة والولايات المتحدة الأمريكية الحائزة على الانتصار الباهر الذي حققوه لأول مرة في تاريخ الحلم الصهيوني.
لقد استطاع هؤلاء الأخلاف أن يحققوا ما عجز عن تحقيقه الأسلاف في ظرف وجيز لا يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن، فثلاثة عقود بالنظر إلى تاريخ الشتات اليهودي الممتد عبر ثلاثة آلاف عام لا تساوي شيئا؛ لقد استطاعوا إقناع حكام العرب والأعراب معا باعتناق العقيدة الصهيونية، بل أصبحوا هم الذين يدعون أتباعهم لاعتناقها جهارًا نهارًا دون خجل ولا وجل من أولئك المقاومين بلا حول ولا قوة غير قوة إيمانهم بدينهم وحقهم.
لم يعد بالإمكان السماح لأي كان أن يعيق هذا المسار الوقح لفرض الأمر الواقع بالقوة بعد أن فشلت كل أساليب اللين والحوار والتفاوض في اختراق الشعور الجمعي للشعوب الذي أصبح فعلا يشكل خطرًا رهيبًا على اليهود المستوطنين الذين ترتعد فرائصهم كلما سمعوا صفارات الإنذار ودعوات الإسراع للدخول إلى الملاجئ كلما سمع أزيز صاروخ أو قذيفة “هاون” تقذف من مكان ما من حدود فلسطين الشمالية أو الجنوبية.
لقد نجح اللوبي الصهيوني في أمريكا والغرب الأوروبي الاستعماري في افتكاك القبول الحسن لتوجهاتنا ومشاريعنا وخططنا من طرف الذين يفترض أنهم سيكونون أشد الناس عداوة لليهود والنصارى، ولم لا ولقد بعثت العناية الإلهية في شبه الجزيرة العربية ملكًا يدعى “سلمان” يبدو من الملامح الأولية لتصوراته أنه سيكون على يديه إقامة مملكة سليمان وهدم المسجد الأقصى لبناء هيكل سليمان.
هكذا، وبهذه العبارات المليئة بالتفاؤل والسعادة يهذي “هرتزل” ويردد معه “وايزمان” و “بن غوريون” وكل المقبورين اليهود الصهاينة داخل لحودهم وفي مقابرهم في كل أنحاء العالم.
إنه التخطيط المحكم والحسابات الدقيقة والصياغة الجيدة للاستراتيجية المتكاملة التي بها وصل الرئيس “ترمب” إلى الحكم ومعه طموحه القوي في السيطرة المطلقة على العالم وانطلاقا من منطقة الشرق الأوسط؛ وبوصوله إلى هذا الحكم يصادف أن هذا الحالم يلتقي بحالم عربي آخر يريد المملكة قبل حتى وفاة أبيه، إنه “محمد بن سلمان” الذي يبدو أنه أكبر المؤمنين بالعقيدة الصهيونية من كل الشباب العربي المسلم، فقد بدأ دعوته للعقيدة من الزيارة التاريخية للولايات المتحدة وأوروبا لشرح أفكاره وتصوراته التي محورها حول اليهود في فلسطين بحيث أكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا يمانع في احتلال كل فلسطين وتكريس القدس كاملة عاصمة لدولتهم. قبل هذه الزيارة أرسل بعثة دينية يرأسها أهم أئمة الحرم الشريف لنشر الدعوة إلى قبول هذه الأفكار وأفكار أخرى لأميره “محمد بن سلمان” تتمثل في تصوره للحداثة والعصرنة في المملكة العتيدة بعد التخلص من الدعاة والعلماء الحقيقيين في المملكة وكل الإعلاميين والمفكرين الذين يرى أنهم يشكلون خطرًا على توجهاته هذه.
بالصدفة أيضا يظهر في شمال المملكة في دولة الإمارات العربية المتحدة أمير آخر هو “محمد بن زايد” يتقاسم مع “محمد بن سلمان” نفس الأفكار والعقيدة، بل أكثر جرأة منه، بحيث كان أول المبادرين لإقامة علاقات سياسية وأمنية وعسكرية مع دولة الصهاينة وصلت حد تنظيم مناورات عسكرية مشتركة.
إنها بداية تقمص الإسلام للعقيدة الصهيونية لا شك ستكون نتائجها في المستقبل مبهجة لليهود عامة وللصهاينة خاصة، لأن ذلك من شأنه أن يزيل الخوف نهائيا من نفوسهم ويجعلهم يندمجون مع شعوب المنطقة بكل راحة واطمئنان، وسيصبح الفلسطينيون مستوطنين في أراضي الدول المجاورة وأراض أخرى يختارونها في المعمورة.
من المنامة إلى اليونيم
المنامة عاصمة مملكة البحرين، أرض نقطة داخل الخليج يحيطها البحر من كل الجهات، يحكمها ملك عربي سني من عائلة عربية سنية وسط أغلبية ساحقة من العرب الشيعة المضطهدين منذ أن أسست بريطانيا هذه المملكة.
اسم الملك هو “حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة”، كان من أوائل الملوك العرب الذين استضافوا وفدا إسرائيليا مثلما أرسل وفد البحرين إلى دولة الصهاينة بدعوى الحج إلى بيت المقدس.
لأن هذا الملك أكثر حميمية لحكام تل أبيب، ورفعا للحرج اتفقت المملكة العربية السعودية معه على تنظيم ندوة ورشة اقتصادية يشارك فيها الصهاينة والحكام العرب الراغبين في التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني. هذه الورشة شبيهة بــــــ “دافوس” في سويسرا؛ تخصص لدراسة استراتيجية التنمية الاقتصادية في أرض فلسطين المحتلة، يعني أن تدعى السلطة الفلسطينية للمشاركة فيها لإقناعها بضرورة مبادلة الأرض بالأموال والازدهار الاقتصادي بعد أن كان في الماضي القريب جرى نقاش طويل في مفاوضات ماراطونية حول مبادلة الأرض بالسلام.
هذه الورشة اقترحها صهر الرئيس “ترمب” و مستشاره المكلف بالملف الفلسطيني “جاريد كوشنر” الذي جعلته صهيونيته ويهوديته شخصا غريبا فعلا من حيث كونه يظهر للناظر إليه عن بعد أنه ذكي جيد في حين أظهرت تصرفاته وتصوراته في الأيام الأخيرة أنه أغبى يهودي صهيوني على الإطلاق، إنه يظن أنه بكل سهولة سيقنع أطفال فلسطين قبل فتيانها وشبابها بقبول بيع أرضهم ووطنهم بالأموال التي تمنحها لهم الدول العربية الخليجية.
الندوة احتياطيا لغياب الكثير من العرب فُرِضَ الحضور على الحكام للدول المجاورة لفلسطين الذين يرتبطون مع الدولة اليهودية باتفاقيات رسمية مثل الملك “عبد اللـه” و الرئيس “السيسي” اللذين هما أيضا في حاجة ماسة إلى هذه الأموال.
ولأن أغلب الدعاة للفكر الصهيوني من الحكام العرب بالصدفة أسماؤهم محمد والوحيد الذي حَرَّفَ اسمه هو الشيخ “حمد بن عيسى”، لذلك واعترافا بالفضل لأصحابه دُعِيَ إلى الورشة ملك المغرب “محمد السادس”.
يا لها من قراءة مجنونة للتاريخ والتراث والدين، يصبح اسم محمد صلى الله عليه وسلم متداولا بكثرة في هذه الورشة، وكأنهم يريدون أن يقولوا للعالم أن محمد صلى الله عليه وسلم راض كل الرضى بصفقة القرن ويباركها وما على أفراد أمته إلاّ الإذعان للأمر الواقع.
بعد نجاح ورشة المنامة يأتي دور “اليونيم” التي ستقيمها السعودية على ساحل البحر الأحمر شمال غرب المملكة وهي أكبر مدينة سياحية وأغلاها على الإطلاق، ستكون متنفسا للسعوديين ومستقطبة للسواح الأجانب.