التفكير بصوت مسموع …/حسن خليفة
هذه أفكار وخواطر أطرحها على المباشر(كما يقولون)؛ حيث أفكر بصوت مسموع، محاولا تحقيق الحد ّ الأدنى المطلوب من التواصل المثمر مع إخواني وأخواتي في الجمعية، ومع غيرهم من خارج الجمعية من المحبين والمناصرين؛ خاصة ونحن في منعطف تاريخي كبير، لا ندري ـعلى وجه التحديد ـ أي شاطئ سترسو فيه سفينة المجتمع، مع كل هذا التدافع الكبير والتجاذب الشديد بين التيارات والأفكار والرؤى والطروحات. وحيث إنّ النقد وسيلة للتقييم والتقويم وربما حتى للاستدراك، فإنّني أمارس هنا هذا النّقد العلني لغرض التنبيه أساسا، ومن التنبيه النصح، ولا خير فينا إن كتمناها ولم نقلها.
- المسألة الأولى: مازلنا ـفي الجمعية ـ نعاني من إشكال ضعف الاستيعاب، علماً أنّ الاستيعاب هدف محوريّ رئيس من أهداف الجمعية ـعبر تاريخها كله ـ . فقد كانت الجمعية مظلة وخيمة أكثرية التيارات في وطننا، على مدار تاريخها، حتى وإن تباينت الرؤى حينا، فإن هناك دائما ما يجمع ويقرّب، بغرض تقوية الصف وتمتين النسيج، وقد كانت الجمعية سبّاقة في كلّ ذلك وفي كل مرة.
والأحرى أن يكون الأمر ـاليوم ـ في مستوى هذا الأفق الجامع المستوعب. وعندما أقول “الاستيعاب” فأنا أعني ما يتعلق بالأفراد من جهة، كما أعني ما له علاقة بالكيانات والجمعيات والهيئات من جهة ثانية.
فأما بالنسبة للأفراد فإن الحاجة ما تزال ماسّة لانفتاح حقيقي على كل طاقات الوطن في مختلف التخصصات والحقول المعرفية والعلمية والمهنية والاجتماعية… والطريق إلى ذلك ليس سهلا بطبيعة الحال، ولكنه ليس مستحيلا. والواجب أن يكون من أولوياتنا في كل المستويات، من خلال العمل الجاد النقيّ لاستيعاب مزيد من الأطر والكفاءات بأشكال شتّى حتى تندمج في نهر العمل الجاري الذي تقوم به الجمعية وتجد نفسها (الطاقات والكفاءات) نافعة، باذلة، عاملة متفانية.. فما الذي يمنع ذلك يا تُرى؟ أهو تقصير أم قصور؟ أم هما معا؟ ومن يتحمل المسؤولية في ذلك؟ ثم أليس ذلك من الأولويات التي ينبغي العمل لها دون هوادة ..تحقيقا لشعار” أم الجمعيات” و”جمعية جميع الجزائريين والجزائريات”.
لست ُأحكمُ هنا في أننا فشلنا، ولكن أقول بوضوح: إنّ ما تحقق يسير وقليل بالنسبة لما هو منتظر من جمعية برصيد تاريخي مضيء، واسم جامع لامع، ومنجزات كبرى تحققت في الأزمنة الماضية وتحقق البعض منها في الأزمنة التالية.
إنّ المورد البشري الكفء هو “الرأسمال الحقيقي” في أي منتظم، أو تجمع، أو حتى شركة ومؤسسة… وهذا المورد البشري موجود بوفرة، وله استعداد وميل ورغبة فما الذي يمنعُ ـإذن ـ انخراطا واسعا لمئات ـإن لم أقل الآلاف ـ الأكارم والأفاضل والكريمات والفاضلات في “اندغام”/اندماج كبير في الجمعية وأخذ المواقع المناسبة للعمل الإصلاحي في شتى الحقول التي تباشر فيها الجمعية أنشطتها وأعمالها؟.
لا ريب أن هناك أسبابا. ومن الواجب معرفة هذه الأسباب، كما أنّ من الواجب العمل على تجاوزها بسرعة وجدية. وما يصدق على الأفراد يصدق ـبأكثر منه ـ في الهيئات والمؤسسات؛ فإنّ أمًّ الجمعيات أحرى أن تكون قاطرة خير ونماء لعشرات ومئات من الهيئات العاملة في نفس الاتجاه ونفس الأهداف مع جمعية العلماء.
- الأمر الثاني اللافت، وقد كتب عنه البعض هو الحضور المحتشم للجمعية على المستوى الاجتماعي ـ الإعلامي؛ خاصة في الأشهر الأخيرة. وقد لا يكون ذلك مسؤولية الجمعية وحدها، ولكنه في كلّ الأحوال يبقى من الأمور التي يجب العمل لتحقيقها، فحضور الجمعية المناسب والقويّ أمر غاية في الأهمية؛ يبقيها في مستوى الانتظارات والتوقّعات ويجعلها مصدرا للمعرفة في المواقف والتوجّهات وما يجب وما ينبغي الخ. ومن الواجب المكتمل الأركان: دينيا، وخُلقيا، واجتماعيا، وثقافيا.. أن تكون الجمعية ذات حضور مشعّ واسع دائم، تحرص على ذلك، بل يحرص كلّ فرد فيها على ذلك؛ لأنّها جمعية دعوية ـ إصلاحية لها اهتمام بالشأن العام وبكل شأن هام. ويحسُن ـفي كلّ الأحوال ـ إحلال هذا الأمر ما يستوجبُه من الاهتمام والبحث لتحقيق هذا الهدف الكبير: الحضور النوعي الدائم.
قد يتساءل أحدنا: كيف ذلك؟.
والجواب: يُبحث الأمر بمنهجية وتدقيق ومعرفة جوانب الاختلال في هذه المسألة، في لقاءات متخصصة، وإشراك أهل الخبرة والعلم والفكر في هذا الشأن ذي الصلة بـ”بالتسويق الفكري والمعرفي” ـإن صّح التعبير- لإيصال صوت الجمعية قويا عاليا نقيا صافيا.
المسألة هنا لا تتصل بالجانب الإعلامي فحسب، بل لها صلة أيضا بالرؤية المتبصّرة ومعرفة ما نحن عليه وكيف يجب أن نكون؟ وأيضا تثمين ما لدى الجمعية من إمكانات كبيرة محترمة وازنة: بشرا، ومواقف، واجتهادات، وقوة طرح فكري وديني، وقوة اقتراح. إن كلّ ذلك دون “تسويق جيد” ومهارة في الإبلاغ في الوقت المناسب بالكيفيات المناسبة… لن يتحقق من ورائه الشيء الكثير .
وبالمختصر المفيد:
إنه عمل كبير.. بل كفاح كبير يجب أن نخوضه، مجتمعين، لسدّ الثغرات المفتوحة وإيجاد مصارف الخير لهذه الجمعية الطيبة المباركة في هذين الحقلين على الأقل: حقل الاستيعاب بالانفتاح الصادق المخلص على كل أهل الخير والعمل على جعل ذلك أولوية ذات شأن. والأمر الثاني أن ندرس أهمية “الحضور” النوعي، ليس في الساحة فحسب، بل في أذهان وقلوب الناس لتكون الجمعية “ماركة ” مسجلة في مواقفها، وأعمالها، وأنشطتها، ولنبلّغ بأقوى وأجمل ما يكون التبليغ رسالة الجمعية إلى النّاس جميعا في بلادنا…